الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
المشرف العام
محمود المملوك
مستشار التحرير
د. خالد منتصر
المشرف العام
محمود المملوك
مستشار التحرير
د. خالد منتصر

تليف الكبد.. كيف تتدخل الخلايا العملاقة لتعويض ضعف وظيفة المناعة؟

الجمعة 29/سبتمبر/2023 - 04:30 م
تليف الكبد
تليف الكبد


اكتشف فريق من الباحثين آلية تعويضية غير معروفة سابقا موجودة في أمراض الكبد، إذ تتدخل الخلايا العملاقة لتعويض ضعف وظيفة المناعة نتيجة تليف الكبد.

وذكرت صحيفة ميديكال إكسبريس أنه إذا أصبحت خلايا كوبفر (KCs)، وهي نوع معين من الخلايا المناعية الموجودة في الكبد، ضعيفة بسبب تندب الأنسجة، فإن الخلايا المناعية التي تنشأ في نخاع العظم تتدفق إلى العضو، حيث تشكل مجموعات خلايا أكبر لأداءالعملاقة لتعويض نفس الوظيفة.

ولاحظ باحثون من كلية كومينج للطب في جامعة كالجاري وشاريتيه، وجامعة الطب في برلين، لأول مرة، كيف يحافظ الكبد على وظيفة الترشيح البكتيري حتى في وجود المرض.

النتائج الأساسية التي توصلوا إليها نُشرت في مجلة العلوم، ومن المحتمل أن يقوموا بالمساهمة في تطوير علاجات جديدة لتلف الكبد.

وظيفة الكبد

الكبد، وهو العضو الأيضي المركزي في الجسم، هو المسؤول عن امتصاص العناصر الغذائية وتكسير السموم.

وينظم الكبد عملية التمثيل الغذائي للدهون والسكر في الجسم ومستويات المعادن والفيتامينات والهرمونات، كما يلعب الكبد دورا أقل شهرة،  ولكنه لا يزال حيويا باعتباره العضو المناعي المركزي في الجسم.

ومن بين الوظائف الرئيسية للكبد الحفاظ على مجرى الدم البشري خاليا من مسببات الأمراض، مثل: البكتيريا والفيروسات والفطريات، وفي حال حدوث الإنتان أو تسمم الدم، يقوم الكبد بتصفية أكثر من 90% من المواد الغريبة الموجودة.

خلايا كوبفر

يؤدي الكبد وظائفه الأساسية عن طريق نوع من الخلايا المناعية المتخصصة، وهي الخلايا البلعمية المعروفة باسم خلايا كوبفر (KCs)، والتي سميت على اسم عالم التشريح البلطيقي الألماني كارل فيلهلم فون كوبفر.

ولأداء وظيفة الترشيح الخاصة بها، توجد خلايا كوبفر في الأوعية الدموية الصغيرة في الكبد، والجيوب الأنفية، حيث تتلقى إشارات مستمرة من الخلايا الكبدية نفسها وتلك المبطنة للأوعية الدموية للكبد.

في الأمراض الشديدة، وخصوصا أمراض الكبد المزمنة، يؤدي تلف الكبد إلى تراكم الأنسجة الندبية المعروفة باسم التليف، مما يضعف وظيفة العضو.

وفي المرحلة المتقدمة من عملية إعادة تشكيل الأنسجة، تخضع المنطقة المحيطة بخلايا كوبفر أيضا لتغيرات مصيرية، مع عواقب لم تكن معروفة حتى الآن.

فريق من الباحثين بقيادة عالم المناعة الدكتور بول كوبيس، من كلية كومينج للطب بجامعة كالجاري، تعاون مع زملائه في شاريتيه للتحقيق في هذه الظاهرة، وكان أحد أهدافهم الأساسية هو تحسين خيارات العلاج في المستقبل للمرضى الذين يعانون من تليف الكبد.

أسباب الإصابة بأمراض الكبد

تتزايد أمراض الكبد المزمنة بشكل حاد في جميع أنحاء العالم، ويعد استهلاك الكحول بكثرة ومرض الكبد الدهني من الأسباب الرئيسية لتليف الكبد ومرحلته النهائية، تليف الكبد.

وتشير التقديرات إلى أن واحدا من كل 4 أشخاص في جميع أنحاء العالم مصاب بالفعل بمرض الكبد الدهني الناجم عن عوامل نمط الحياة مثل الإفراط في تناول الطعام، وعدم ممارسة الرياضة، والأمراض بما في ذلك مرض السكر والاضطرابات الأيضية.

ويمكن أن تؤدي الالتهابات والعوامل الوراثية أيضا إلى تليف الكبد.

وعلى الرغم من وجود نماذج جيدة بالفعل لأمراض الكبد، إلا أنه لم يتمكن أحد حتى الآن من تتبع تطور تليف الكبد ووظيفة الترشيح الرئيسية في نفس الوقت.

دور الجهاز المناعي في تليف الكبد

الآن، قام الفريق الدولي بذلك، باستخدام تقنية مجهرية مبتكرة تتيح مراقبة الوظائف الخلوية بالتفصيل في كائن حي وتقنيات الفحص المجهري الأخرى، إذ درس الباحثون عن كثب عمل خلايا كوبفر في النموذج الحيواني وفي عينات الأنسجة المأخوذة من مرضى تليف الكبد.

في هذه العملية، حدد الباحثون نوعا جديدا من الخلايا، أطلقوا عليه اسم المخلوي الشبيه بخلية كوبفر، هذه هي نوع من الخلايا العملاقة، أي مجموعات أكبر من الخلايا متعددة النوى تتشكل من الخلايا المناعية التي تنشأ في النخاع العظمي والتي انتقلت إلى مكان الحادث استجابةً لذلك.

يصف الدكتور موريتز بيسلر، العالم والطبيب في قسم أمراض الكبد والجهاز الهضمي في شاريتيه، والمؤلف الأول للدراسة، ما يحدث أثناء تندب الكبد وإعادة تشكيله، فيقول: «تموت المزيد والمزيد من خلايا الكبد، ويتشكل النسيج الضام، كل ذلك من خلال العضو وحول الأوعية الدموية الصغيرة».

وأضاف: «يتم إعادة توجيه الدم إلى أوعية جديدة متوسعة داخل الكبد وخارجه، وهذا يتسبب في فقدان خلايا كوبفر الاتصال ببيئتها، لذلك ينتهي بها الأمر إلى عدم التصرف كما لو كانت في الكبد على الإطلاق، وتفقد وظيفتها، لم تعد تلتقط البكتيريا من الدم، وتزداد حالات العدوى في مجرى الدم».

وتابع: «لم يمر وقت طويل قبل أن تتسلل الخلايا الوحيدة المتخصصة، وهي خلايا مناعية من نخاع العظم، إلى الكبد، وتتبع الأوعية الجانبية التي تتجاوز الهياكل السابقة وتشكل مجموعات كبيرة بما يكفي لتصفية البكتيريا في الأوعية الأكبر حجما إلى حد ما، وهذا هو شكل من أشكال التعويض المنقذ للحياة الناتج عن الميكروبيوم المعوي.

تتولى المخلويات الشبيهة بـKC التي تم تشكيلها حديثًا وظيفة الترشيح لخلايا كوبفر الفعلية منذ ذلك الحين، وبما أنها يجب أن تتواجد داخل الأوعية الدموية المتغيرة، فإن الخلايا المناعية التي هاجرت إلى الموقع تتكيف، وتشكل هياكل تشبه الشبكة تحولها إلى مرشح ميكروبي فعالن وفق ما أكده الباحثون.

يقول كوبيس، رئيس الدراسة: «هذه النتائج تغير طريقة تفكيرنا حول دور الجهاز المناعي في تليف الكبد، ففي السابق، كانت إحدى المدارس الفكرية هي أنه يجب منع الخلايا المناعية من نخاع العظم من التسلل إلى الكبد، ولكن كما تظهر دراستنا، قد يكون ذلك ضارا، فبدلا من تثبيط وظيفة المناعة في المرض المتقدم، قد تكون فكرة جيدة للترويج لها».

أساس العلاجات المبتكرة وعلاج تليف الكبد

تم إجراء الدراسة في 3 مراكز كبيرة لزراعة الكبد، وأظهرت أن العمليات المرتبطة بتليف الكبد لدى البشر تشبه تلك التي لوحظت في النموذج الحيواني.

ونتيجة لذلك، تثير هذه الاكتشافات أسئلة أساسية حول علاج المرضى الذين يعانون من مرض الكبد الليفي.

العدوى هي السبب الرئيسي للوفاة في المرضى الذين يعانون من تليف الكبد، وفي الوقت نفسه، يعاني العديد من الأشخاص المصابين بهذا النوع من المرض من إعادة تشكيل تليف الكبد، وفي بعض الحالات يكون متقدما جدا، دون زيادة العدوى.

وقال بيسلر: «نعتقد أن الكبد يحافظ على وظيفته حتى مستوى معين من الضرر من خلال تجنيد المخلوي الشبيه بـKC، وفي نهاية المطاف، يعد تكوين النسيج الندبي في الكبد أيضا آلية تطورية مفيدة يضمن من خلالها بقاء العضو التالف على قيد الحياة».

تساهم الدراسة الحالية في تحسين فهم كيفية عمل المرشح الميكروبي الأكثر أهمية في الجسم عند ظهور أمراض الكبد، وهو ما يمكن أن يكون أساسا لتطوير علاجات مبتكرة، نظرا لأنها معزولة عن بيئتها، فإن خلايا كوبفر الأصلية لم تعد تعمل مثل الخلايا المناعية الكبدية.

وهذا يعني أنه يمكن للباحثين التحقق من كيفية منع فقدان الهوية، والذي يسبب فقدان الوظيفة أيضا.

أصبحت الطريقة التي يستجيب بها الكبد للتغيرات المسببة للأمراض معروفة الآن أيضا، ويمكن أن يساعد دعم هذه العملية في حماية المرضى، نظرا لأن وظيفة الترشيح الميكروبي المحسنة تقلل من خطر الوفاة بسبب تليف الكبد ويمكن أن تؤخر وقت الزرع، وهو خيار العلاج الوحيد المتاح حاليا.