الاستجابة المناعية لحمى الضنك.. هل تتنبأ بخطر الإصابة مرة أخرى؟
مع استمرار فيروس حمى الضنك في تشكيل مصدر قلق صحي عالمي كبير، تمكن فريق بحثي دولي من تحديد رابط حاسم بين الاستجابة المناعية الأولية للجسم ودفاعاته ضد إعادة العدوى.
اكتشف الباحثون أن الخلايا التائية القاتلة الطبيعية (NKT) تؤثر على ما إذا كانت الاستجابة تولد أجسامًا مضادة واقية تعمل على تحييد الفيروس أو أجسامًا مضادة ضارة يمكن أن تؤدي إلى تفاقم المرض في حالات العدوى المستقبلية.
حمى الضنك
تنتشر حمى الضنك بشكل خاص في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، وتنتج عن أربعة أنواع من فيروس حمى الضنك وثيقة الصلة ولكنها متميزة، والمعروفة باسم الأنماط المصلية، وفق ما نشره موقع ميديكال إكسبريس.
لا توفر العدوى الأولية بنمط مصلي واحد مناعة ضد الأنماط المصلية الأخرى، وبالتالي يمكن إعادة إصابة الشخص بنمط مصلي مختلف. تعد العدوى الثانوية عامل خطر معروف للإصابة بمرض شديد.
يعد الأستاذ المساعد آشلي سانت جون من برنامج الأمراض المعدية الناشئة في جامعة ديوك-جامعة سنغافورة الوطنية، المؤلف الرئيسي للدراسة المنشورة في مجلة التحقيقات السريرية.
وقال سانت جون: "تظهر دراستنا أن خلايا NKT لا تشكل الاستجابة المناعية لعدوى حمى الضنك الأولية فحسب، بل تلعب أيضًا دورًا محوريًا في تحديد شدة الإصابات المستقبلية".
وأضاف: "إن فهم هذه العملية أمر بالغ الأهمية، لأنه يمكن أن يؤدي إلى وضع استراتيجيات أفضل لحماية المجتمعات، وخاصة في المناطق الموبوءة بحمى الضنك، حيث يمكن أن تؤدي حالات إعادة العدوى الشديدة إلى إجهاد أنظمة الرعاية الصحية والتأثير على الصحة العامة".
مكافحة العدوى وتقوية الجسم
أثار اهتمام الباحثين حقيقة مفادها أن المصابين بحمى الضنك لديهم تركيزات عالية من الخلايا القاتلة الطبيعية في جلدهم، حيث يدخل الفيروس الجسم في البداية. وعلى الرغم من أن العديد من الخلايا المناعية تستجيب للعدوى، فإن الخلايا القاتلة الطبيعية هي من بين أول الخلايا التي تتصرف.
ومن خلال دمج خصائص كل من الخلايا القاتلة الطبيعية والخلايا التائية، تربط هذه الخلايا المناعية الفريدة بين الجهازين المناعيين الفطري والتكيفي وتلعب دورًا رئيسيًا في تنظيم الاستجابات المناعية.
عندما تكون الخلايا القاتلة الطبيعية نشطة أثناء الإصابة الأولية بحمى الضنك، فإنها تساعد في إنشاء ذاكرة مناعية قوية تحمي من العدوى اللاحقة.
بعبارة أخرى، يمكن للخلايا القاتلة الطبيعية التي يتم تجنيدها للجلد في بداية الإصابة أن تؤثر على الاستجابات المناعية لشهور أو حتى سنوات.
بالإضافة إلى مكافحة الفيروس مباشرة في الجلد، تساعد خلايا NKT أيضًا في إنشاء بيئة مناعية داعمة في العقد الليمفاوية القريبة، وهذا يسهل إنتاج الأجسام المضادة الفعالة، والتي تعد ضرورية لتحييد الفيروس وتوفير الحماية طويلة الأمد بواسطة الخلايا المناعية الأخرى.
يعتمد الجهاز المناعي على نوعين أساسيين من الاستجابات المناعية - Th1، الذي يركز على تدمير التهديدات بمجرد إصابة الخلايا، وTh2، الذي يحارب مسببات الأمراض مثل البكتيريا والطفيليات والسموم خارج الخلايا، وهذا يجعل استجابات Th1 فعالة بشكل خاص ضد الفيروسات مثل حمى الضنك.
اكتشف الباحثون أن خلايا NKT تدفع استجابات Th1 الخاصة بحمى الضنك، مما يؤدي إلى إنتاج أجسام مضادة "جيدة" تعمل على تحييد الفيروس.
وفي نموذج ما قبل السريرية، وجد الفريق أن الأنظمة المناعية التي تفتقر إلى خلايا NKT الوظيفية تنتج أجسامًا مضادة من النوع Th2، وهي أقل فعالية ضد الفيروسات، وهذا يؤدي إلى عدم كفاية الحماية ضد إعادة الإصابة بنفس السلالة.
والأمر الأكثر أهمية هو أن هذا الفيروس قد يتسبب أيضًا في ظاهرة تعرف باسم التعزيز المعتمد على الأجسام المضادة، حيث تعمل الأجسام المضادة "الضارة" من العدوى الأولية على تفاقم المرض أثناء العدوى اللاحقة بسلالات مختلفة، وهذا من شأنه أن يجعل الإصابة الثانوية بحمى الضنك أكثر شدة من الإصابة الأولية.
كما لوحظت أنماط مماثلة لدى البشر. فقد كانت نتائج المرضى المصابين بعدوى حمى الضنك الأولية الذين طوروا أجسامًا مضادة مرتبطة بخلايا Th1، والتي ترتبط بنشاط الخلايا القاتلة الطبيعية، أفضل، في حين كان أولئك الذين أصيبوا بعدوى ثانوية وأنتجوا مستويات عالية من الأجسام المضادة المرتبطة بخلايا Th2 أكثر عرضة للإصابة بأمراض شديدة.
قال الدكتور أبهاي راثور، المؤلف المشارك الرئيسي: "إن فهم كيفية توليد الخلايا المناعية لاستجابات مبكرة قوية يمكن أن يساعدنا في تصميم لقاحات تستخدم خلايا NKT واستجابات Th1 لإنتاج الأجسام المضادة وخلايا الذاكرة بشكل أفضل".
وأضاف: "إن هذا النهج قد يعزز فعالية لقاح حمى الضنك وسلامته، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين تعرضوا للفيروس في وقت سابق، ويسمح بالعلاج الشخصي من خلال مراقبة مستويات الأجسام المضادة لتقييم خطر الإصابة بالمرض الشديد".
إن إدراك أن الاستجابات المناعية المبكرة يمكن أن تؤثر على الصحة على المدى الطويل وطبيعة الذاكرة المناعية قد يكون ذا صلة أيضًا بالفيروسات مثل الأنفلونزا وكوفيد-19، حيث تكون الذاكرة المناعية القوية أمرًا بالغ الأهمية. ومع ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتحديد مدى أهمية هذه النتائج للعدوى الفيروسية الأخرى.