تحديد أسباب التهابات الكلى والمسالك البولية
نادرا ما تنتقل العدوى من المسالك البولية السفلية إلى الكلى، لكن الآلية الدقيقة التي يستخدمها جسم الإنسان للحفاظ على الأعضاء التوأم خالية من الأمراض ظلت لغزا طبيا، حتى الآن.
تمكن فريق متعدد التخصصات في جامعة كامبريدج في إنجلترا من حل هذه المعضلة من خلال سلسلة من التجارب الأنيقة.
فقد وجد الدكتور أندرو ب. ستيوارت وزملاؤه أن الهياكل البيولوجية المتخصصة للغاية والتي تسمى مصائد الخلايا المتعادلة خارج الخلية (NETs) تلعب دورًا محوريًا في حماية الكلى من العدوى، وفق ما ذكره موقع ميديكال إكسبريس.
الشبكات العصبية الاصطناعية
الشبكات العصبية الاصطناعية عبارة عن شبكات لزجة من الخيوط الرقيقة التي تعمل حرفيًا كمصائد، فهي تصطاد البكتيريا التي تحاول الهجرة شمالًا إلى الكلى من المسالك البولية السفلية.
وتضيف الشبكات العصبية الاصطناعية إلى مجموعة من الأنشطة المضادة للميكروبات التي يقوم بها الجسم لمقاومة العدوى.
وفي مقالة نشرت في مجلة Science Translational Medicine، قدم ستيوارت وفريقه أدلة دامغة على أن الخلايا العصبية الاصطناعية الشبيهة بالشبكة تعمل كدفاع مضاد للبكتيريا ضد العدوى.
لم تكشف دراسة الفريق عن وجود الخلايا العصبية الاصطناعية في المسالك البولية فحسب، بل أجابت أيضًا على سؤال قائم منذ فترة طويلة في أبحاث التهاب المسالك البولية: ما الذي يحمي الكلى من مسببات الأمراض؟
وكتب ستيوارت، المؤلف الرئيسي للدراسة، "تسلط هذه النتائج الضوء على دور NETosis في منع العدوى الصاعدة في المسالك البولية".
وأكد أن NETosis يشير إلى تكوين NETs، التي تمنع أيًا من الأنواع المختلفة من البكتيريا - E. coli وEnterococcus faecalis وProteus mirabilis وغيرها - من الهجرة إلى الأعلى من المثانة إلى الكلى. ركزت الدراسة على E. coli، السبب البكتيري الأكثر شيوعًا لالتهابات المسالك البولية.
إن عملية NETosis هي من عجائب علم الأحياء البشري الأخرى، فهي تكشف كيف يقوم الجسم، وبشكل أكثر تحديدًا الجهاز المناعي، بإنشاء هياكل لإيقاع مسببات الأمراض في الفخ.
الكيان الرئيسي في NETosis هو الخلايا المتعادلة، وهي خلية مناعية، يتم إرسالها للخضوع لشكل فريد من أشكال موت الخلايا.
عندما تستسلم الخلايا المتعادلة، تطلق الحمض النووي والهستونات والبروتينات الحبيبية، تاركة وراءها بنية تشبه الشبكة. وتصبح البكتيريا الإشريكية القولونية والبكتيريا الأخرى محاصرة تمامًا كما تقع الحشرات في فخ شبكة العنكبوت.
وأكد ستيوارت وزملاؤه أن عملية اعتلال الخلايا المتعادلة ليست نادرة لأن الخلايا المتعادلة توجد في بول الأشخاص الأصحاء.
ولكي نحصل على صورة ذهنية للشبكة العصبية الاصطناعية، فلنتخيل شبكة العنكبوت ـ ليس من النوع الهندسي الدانتيلي المزين بقطرات الندى، بل من النوع الأكثر سمكًا والأكثر نسجًا الذي نجده في العلية.
وتتكون الشبكات العصبية الاصطناعية من الخلايا المتعادلة، وهي خلايا بالغة الأهمية في الجهاز المناعي.
الفرق الرئيسي بين شبكة العنكبوت والشبكة العصبية الاصطناعية هو الحجم، فشبكات العنكبوت كبيرة ومرئية بالعين المجردة؛ أما الشبكة العصبية الاصطناعية فهي متناهية الصغر وتتطلب مجهرا قويا.
ولكي نكون واضحين، فإن الخلايا العصبية الاصطناعية لا تمنع حدوث التهابات المسالك البولية، ولكنها تمنعها من الانتشار وإحداث الفوضى في أماكن أخرى من المسالك البولية، كما أظهر بحث فريق كامبريدج.
الواقع أن غزو البكتيريا للمسالك البولية السفلية أمر شائع للغاية، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، التي تقدر أن مئات الملايين من الناس يتأثرون به على مستوى العالم كل عام.
عادة ما تقتصر التهابات المسالك البولية على المثانة، ولكن في حالات نادرة، تتحدى الميكروبات الغازية الدفاعات المناعية للجسم بالهجرة إلى المسالك البولية وإلى أحد العضوين التوأمين ذوي اللون الأرجواني، الكليتين أو كليهما.
وبمجرد الإصابة بالعدوى، تصبح الكلى عرضة لمضاعفات خطيرة، ولكن ندرة حدوث هذه المضاعفات، كما وجد فريق كامبريدج، تثبت أن الجسم لديه استراتيجيات مضادة للميكروبات، حيث تعد عملية NETosis أساسية، مما يساعد على حصر البكتيريا في المثانة، مما يحافظ على الكلى خالية من العدوى.
وأضاف ستيوارت: "إن عدوى المسالك البولية السفلية شائعة ولكنها نادرًا ما تتفاقم بسبب التهاب الحويضة والكلية".
يشير التهاب الحويضة والكلية إلى عدوى في إحدى الكليتين أو كلتيهما. ويقول الأطباء إن هذه الحالة، التي تتميز بالألم والالتهاب الشديد، تتطلب رعاية طبية فورية، لأن التهاب الحويضة والكلية قد يهدد الحياة في بعض الحالات.
وكجزء من الدراسة، قام فريق كامبريدج بتحليل عينات بول من 15 شخصًا سليمًا. ووجد العلماء أن كيانًا بيولوجيًا واحدًا برز في كل عينة - وجود شبكات خارج الخلوية. تفاعلت هذه الهياكل مع بروتين يسمى يورومودولين، والذي ساعد في تكوين شبكات كبيرة تحاصر البكتيريا المسببة للأمراض.
وقد أثبت المؤلفون صحة هذه النتائج في نماذج الفئران المصابة بالتهاب المسالك البولية الناجم عن البكتيريا الإشريكية القولونية، ووجد ستيوارت وزملاؤه أن مقاطعة تكوين الشبكات العصبية الاصطناعية سمحت للبكتيريا بغزو الكلى.
وأكد ستيوارت: "لقد حددنا مصائد الخلايا المتعادلة خارج الخلية في البول البشري الصحي والتي توفر استراتيجية دفاع مضادة للبكتيريا داخل المسالك البولية".
وبالإضافة إلى ذلك، أظهرت تجارب كامبريدج أن اختبارات إستراز الكريات البيضاء ـ وهي واحدة من أكثر الاختبارات شيوعًا للكشف عن التهاب المسالك البولية ـ تعمل عن طريق تسليط الضوء على العدلات. وكان من المفترض لفترة طويلة أن الاختبار يكشف عن العدد الإجمالي للعدلات. ولكن ستيوارت وزملاؤه وجدوا أنه يعمل بالفعل عن طريق تحديد العدلات التي أطلقت أورامًا خارج الخلوية.
واختتم ستيوارت حديثه قائلًا: "لم تسلط هذه الدراسة الضوء على دور NETosis فحسب، بل كشفت أيضًا أن الأساس الميكانيكي لشريط قياس البول الذي يعود تاريخه إلى عقود من الزمن كان مفهومًا بشكل خاطئ إلى حد ما".