كيف تقاوم الخلايا السرطانية الموت بسبب العلاج الكيميائي؟
كشفت التجارب المعملية على الخلايا السرطانية عن طريقتين تتجنب بهما الأورام الأدوية المصممة لتجويعها وقتلها، وبالتالي التخلص منها.
في حين تنجح العلاجات الكيميائية في علاج السرطان وإطالة عمر المرضى، فمن المعروف أنها لا تنجح مع الجميع لفترة طويلة، حيث تعمل الخلايا السرطانية على إعادة برمجة العملية التي تحول بها الوقود إلى طاقة (الأيض) للتغلب على تأثيرات الأدوية.
مضادات الأيض
العديد من هذه الأدوية هي ما يسمى بمضادات الأيض، مما يؤدي إلى تعطيل العمليات الخلوية اللازمة لنمو الورم وبقائه.
وتعمل 3 من هذه الأدوية المستخدمة في الدراسة - رالتيتركسيد، وN-(فوسفوناسيتيل)-l-أسبارتات (PALA)، وبريكوينار - على منع الخلايا السرطانية من إنتاج البيريميدينات، وهي جزيئات تشكل عنصرا أساسيا في الرموز الجينية، أو النيوكليوتيدات، التي تشكل الحمض النووي الريبي والحمض النووي.
يجب أن تتمكن الخلايا السرطانية من الوصول إلى إمدادات البيريميدين لإنتاج المزيد من الخلايا السرطانية وإنتاج نيوكليوتيدات اليوريدين، وهو مصدر الوقود الأساسي للخلايا السرطانية أثناء تكاثرها ونموها وموتها بسرعة.
إن تعطيل مسارات تخليق البيريميدين السريعة ولكن الهشة، كما صُممت بعض العلاجات الكيميائية للقيام بذلك، يمكن أن يؤدي إلى تجويع الخلايا السرطانية بسرعة ويؤدي إلى موتها تلقائيًا (الموت الخلوي المبرمج).
تفاصيل الدراسة
وبحسب موقع ميديكال إكسبريس، أظهرت الدراسة التي أجراها باحثون في مركز NYU Langone Health ومركز Perlmutter Cancer Center التابع له، كيف تبقى الخلايا السرطانية على قيد الحياة في بيئة معادية بسبب النقص المستمر في الطاقة من الجلوكوز (المصطلح الكيميائي لسكر الدم) اللازمة لتحفيز نمو الورم.
يقول الباحثون إن هذا الفهم الأفضل لكيفية تجنب الخلايا السرطانية لمحاولات الأدوية لقتلها في بيئة منخفضة الجلوكوز، قد يؤدي إلى تصميم علاجات مركبة أفضل أو أكثر فعالية.
وأظهرت نتائج الدراسة، التي نشرت في مجلة Nature Metabolism، أن البيئة منخفضة الجلوكوز التي تسكنها الخلايا السرطانية، أو بيئة الورم، تعمل على إيقاف استهلاك الخلايا السرطانية لمخزون النيوكليوتيدات اليوريدين الموجودة، مما يجعل العلاجات الكيميائية أقل فعالية.
في العادة، يتم تصنيع واستهلاك نيوكليوتيدات اليوريدين للمساعدة في صنع أكواد الحروف الجينية واستقلاب خلايا الوقود،ولكن عندما يتم عرقلة بناء الحمض النووي والحمض النووي الريبي بواسطة هذه العلاجات الكيميائية، فإن استهلاك مجموعات نيوكليوتيدات اليوريدين يتم عرقلته أيضًا، كما وجد الباحثون، حيث أن الجلوكوز مطلوب لتغيير شكل واحد من اليوريدين، UTP، إلى شكل آخر قابل للاستخدام، UDP-glucose.
يقول الباحثون إن المفارقة تكمن في أن البيئة المحيطة بالورم والتي تنخفض فيها نسبة الجلوكوز تؤدي بدورها إلى إبطاء استهلاك الخلايا لنيوكليوتيدات اليوريدين، ومن المفترض أن تؤدي إلى إبطاء معدلات موت الخلايا.
يقول الباحثون إن الخلايا السرطانية تحتاج إلى نفاد كتل بناء البيريميدين، بما في ذلك نيوكليوتيدات اليوريدين، قبل أن تدمر الخلايا نفسها.
وفي تجارب أخرى، لم تتمكن البيئات الدقيقة للأورام منخفضة الجلوكوز من تنشيط بروتينين، هما BAX وBAK، يقعان على سطح الميتوكوندريا، وهي مولد الوقود للخلية. ويؤدي تنشيط هذين البروتينين المحفزين إلى تفكك الميتوكوندريا، ويطلق على الفور سلسلة من إنزيمات الكاسباس التي تساعد في بدء موت الخلايا.
قال الباحث الرئيسي في الدراسة الدكتور مينوو نام: "تظهر دراستنا كيف تتمكن الخلايا السرطانية من تعويض تأثير البيئات الدقيقة للورم منخفضة الجلوكوز، وكيف تعمل هذه التغييرات في عملية التمثيل الغذائي للخلايا السرطانية على تقليل فعالية العلاج الكيميائي".
وقال الباحث الرئيسي في الدراسة ريتشارد بوسيماتو: "توضح نتائجنا ما كان غير واضح حتى الآن حول كيفية تأثير التمثيل الغذائي المتغير لبيئة الورم على العلاج الكيميائي: يؤدي انخفاض الجلوكوز إلى إبطاء استهلاك واستنفاد نيوكليوتيدات اليوريدين اللازمة لتغذية نمو الخلايا السرطانية ويعيق موت الخلايا المبرمج الناتج عن ذلك، أو الموت، في الخلايا السرطانية".
ويقول بوسيماتو إن نتائج دراسة فريقه يمكن أن تستخدم يومًا ما لتطوير علاجات كيميائية أو علاجات مركبة من شأنها تغيير الخلايا السرطانية أو خداعها للاستجابة بنفس الطريقة في بيئة منخفضة الجلوكوز كما هو الحال في بيئة مستقرة من الجلوكوز.
ويقول أيضًا إنه من الممكن تطوير اختبارات تشخيصية لقياس مدى احتمال استجابة خلايا السرطان لدى المريض للبيئات منخفضة الجلوكوز والتنبؤ بمدى استجابة المريض لعلاج كيميائي معين.
وأضاف بوسيماتو أن فريقه يخطط للتحقيق في كيفية تأثير منع مسارات أخرى لخلايا السرطان على موت الخلايا المبرمج استجابة لهذه العلاجات الكيميائية.
وأشار إلى أن بعض الأدوية التجريبية، مثل مثبطات Chk-1 وATR، موجودة بالفعل وقد تحقق هذا الهدف، ولكن هناك حاجة إلى المزيد من البحث لأن مثبطات Chk-1 وATR لا يتحملها المرضى بشكل جيد.
وفي إطار الدراسة، أجرى الباحثون مسحًا لثلاثة آلاف جين من جينات الخلايا السرطانية المعروفة بمشاركتها في عملية التمثيل الغذائي للخلايا لتحديد الجينات الضرورية لبقاء الخلايا السرطانية بعد العلاج الكيميائي عن طريق الحذف.
وكانت أغلب الجينات التي وجدوها ضرورية لبقاء الخلايا في بيئات الأورام منخفضة الجلوكوز تشارك أيضًا في تخليق البيريميدين، وهو مسار بيولوجي دقيق يستهدفه العديد من العلاجات الكيميائية.