كيف نحمي الأطفال من الآثار النفسية لصور الحرب العنيفة؟
بينما يتواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تنتشر الكثير من الصور المؤلمة لضحايا العدوان السافر من الشهداء والمصابين، سواء على شاشات التلفزيون، أو عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة.
هذه الصور العنيفة والمشاهد القاسية تكون ذات تأثير سلبي على نفسية الكبار، فما بالنا بالأطفال وصغار السن الذين يتعرضون لهذه المشاهد في كل يوم وعلى مدار الساعة، في عالم بات مليئا بالشاشات، وباتت فيه مثل هذه الصور والفيديوهات في متناول الجميع.
ومما يزيد من المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها الأطفال ما أثبتته أبحاث بأن العنف والجريمة يحظيان بتغطية إعلامية غير متناسبة، وقد وُجد أن عناوين الأخبار السلبية تحظى بمشاركة ونقرات أكثر من العناوين الإيجابية.
ووفق ما نُشر في موقع The Conversation، يستطيع الأطفال والمراهقون اليوم الوصول إلى لقطات للحروب والعنف وعمليات إطلاق النار وجرائم القتل، عبر شبكة الإنترنت، ومع إمكانية الوصول إلى كل هذه الصور والمشاهد العنيفة، وإلى جانب التعليقات والتحليلات الذي قد يكون الأطفال عرضة لاستيعابه، يزداد الخطر.
تعليقا على ذلك، قالت كريستسن تشوي، أستاذ مساعد في التمريض والصحة العامة، جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس: «باعتباري باحثًا في مجال الصدمات وممرضًا نفسيا، قمت بدراسة تأثير الصدمات والصدمات غير المباشرة على الأطفال».
وأضافت: «لا يمكن تجاهل وسائل الإعلام الإخبارية العنيفة وتأطيرها على الإنترنت عندما يتعلق الأمر بالصحة العقلية للأطفال، حتى الآباء الأكثر ذكاءً في التعامل مع وسائل الإعلام لا يمكنهم التحكم بشكل كامل في المحتوى الذي يستهلكه أطفالهم أو الإطارات التي يستوعبونها، ومع ذلك، في رأيي، هناك خطوات يمكن اتخاذها للتخفيف من الآثار».
تضخيم الخوف
وقالت تشوي: «يمكن أن يكون تحليل وسائل الإعلام الإخبارية مفيدًا في فهم الأحداث في بعض الحالات، ولكن يمكن لأي شخص لديه إمكانية الوصول إلى الإنترنت أن يقول كلمته، بدءًا من الخبراء المعترف بهم وحتى المراهقين المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ قد يؤدي ذلك إلى تضخيم خوف الطفل دون سياق».
وأشارت إلى أنه «نتيجة للتعرض لوسائل الإعلام العنيفة والإطارات المصاحبة لها، قد يطور الأطفال رؤية مشوهة للعالم باعتباره مكانًا خطيرًا ومعاديا، وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى القلق ويعوق قدرتهم على الثقة والتفاعل مع العالم، كما يمكن أن يضعف شعور الأطفال بالسلامة والأمان، مما يجعل من الصعب عليهم تنمية شعور بالتفاؤل».
وأضافت أن «الدراسات وجدت خطر الحساسية والخوف والقلق واضطراب النوم والعدوان وأعراض الإجهاد الناتج عن الصدمة بين الأطفال المرتبطين بالتعرض لوسائل الإعلام العنيفة بأشكالها المتعددة».
ما ينبغي على الوالدين فعله
يجب على الآباء الموازنة بين أولويتين متعارضتين، فمن ناحية، من المهم تربية أطفال مواطنين مطلعين، وتنمي المهارات المناسبة لأعمارهم للتعامل بشكل نقدي مع الأحداث والمظالم في العالم، وهناك الواقع المدمر المتمثل في العنف الذي نشهده، والذي تشكل تهديدات حقيقية للأطفال، وفق ما أكدته الخبيرة.
وأضافت أنه «من ناحية أخرى، يجب على الآباء مراقبة استهلاك وسائل الإعلام للحد من التعرض للعنف واستيعاب وجهات النظر القائمة على الخوف بشأن الأحداث التي تضر بالسلامة النفسية للأطفال».
وأشارت إلى أن «الآباء والأجداد والمعلمين وغيرهم من القادة البالغين في المجتمعات يمكنهم اتخاذ خطوات لتحقيق هذا التوازن الدقيق، ويجب أن توفر مصدرًا ثابتًا للسلامة والسياق في حياة الأطفال المليئة بالوسائط».
وقالت: «أولًا، من المهم للبالغين تعزيز التفكير النقدي حول ما يراه الأطفال ويسمعونه على الإنترنت وفي وسائل الإعلام، ويجب أن يشارك الأطفال والمراهقون في محادثات مناسبة لأعمارهم حول ما يشهدونه وسياق أحداث العنف، خاصة عندما يكونون بالقرب من المنزل، إذ يمكن للمحادثات المفتوحة واستكشاف المشاعر والتحقق من تجارب الأطفال المتعلقة بالحزن أو القلق أو الغضب أو الخوف أن تعزز الحوار المدروس والسلامة النفسية».
وأضافت: «ثانيًا، يجب على البالغين توخي الحذر بشأن وضع حدود لاستهلاك الوسائط ومراقبة المحتوى الذي يتعرض له الأطفال، إذ إن مشاهدة وسائل الإعلام أو الاستماع إليها معًا وخلق مساحة للمناقشة يمكن أن يوفر الدعم للأطفال لفهم محتوى الأخبار الصعب والسماح للآباء بمراقبة استجابة الطفل»ز
وتابعت: «أخيرا، ينبغي للبالغين أن يكونوا قدوة لأطفالهم في وسائل الإعلام الإخبارية، فكثيرًا ما يقلد الأطفال سلوك والديهم وغيرهم من البالغين، فعاداتنا في استهلاك الوسائط وردود أفعالنا وقدرتنا على تحقيق التوازن بين الحياة عبر الإنترنت وأنشطة الحياة الواقعية الإيجابية تتحدث كثيرًا عن الأطفال، ومع وقوع العنف في العالم في أيدي الأطفال والمراهقين، تقع على عاتق البالغين مسؤولية إرشادهم نحو فهم دقيق للعالم مع توفير الأمان النفسي لهم أيضًا، كما أن من الضروري تعزيز التفكير النقدي ووضع الحدود ووضع نموذج للاستهلاك المسؤول لوسائل الإعلام».