كيف يساعد العلاج السلوكي المعرفي في تخفيف الاكتئاب؟
العلاج السلوكي المعرفي، وهو أحد أكثر العلاجات شيوعًا للاكتئاب، يمكنه تعليم مهارات التعامل مع المشاكل اليومية، وتعزيز السلوكيات الصحية ومقاومة الأفكار السلبية.
لكن هل يمكن أن يؤدي تغيير الأفكار والسلوكيات إلى تغييرات دائمة في الدماغ؟
متى يكون العلاج فعالا؟
بحسب ما نشره موقع ميديكال إكسبريس، توصلت دراسة جديدة أجرتها كلية الطب بجامعة ستانفورد إلى أن العلاج يمكن أن يكون فعالًا إذا تم اختيار العلاج المناسب للمرضى المناسبين.
ففي دراسة أجريت على بالغين يعانون من الاكتئاب والسمنة ــ وهي تركيبة يصعب علاجها ــ نجح العلاج السلوكي المعرفي الذي ركز على حل المشكلات في الحد من الاكتئاب لدى ثلث المرضى، كما أظهر هؤلاء المرضى تغيرات تكيفية في دوائر الدماغ لديهم.
وعلاوة على ذلك، كانت هذه التكيفات العصبية واضحة بعد شهرين فقط من العلاج، ويمكنها التنبؤ بالمرضى الذين سيستفيدون من العلاج طويل الأمد.
وتضيف هذه النتائج إلى الأدلة التي تشير إلى أن اختيار العلاجات القائمة على الأسس العصبية لاكتئاب المريض - والتي تختلف من شخص لآخر - يزيد من فرص النجاح.
ويُعد نفس المفهوم بالفعل ممارسة قياسية في تخصصات طبية أخرى.
قالت الدكتورة ليان ويليامز، أستاذة الطب النفسي والعلوم السلوكية ومديرة مركز الصحة العقلية الدقيقة والعافية في كلية ستانفورد للطب: "إذا كنت تعاني من ألم في الصدر، فسوف يقترح طبيبك بعض الاختبارات - رسم القلب، أو فحص القلب، أو ربما فحص الدم - لتحديد السبب والعلاجات التي يجب مراعاتها".
وأضاف: "ولكن في حالة الاكتئاب، لا نستخدم أي اختبارات. فهناك هذا الشعور الواسع بالألم العاطفي، ولكن اختيار العلاج يعتمد على التجربة والخطأ، لأننا لا نستخدم أي اختبارات لمعرفة ما يحدث في المخ".
ويليامز وجون ما، أستاذ الطب الأكاديمي وطب الشيخوخة في جامعة إلينوي في شيكاغو، هما المؤلفان الرئيسيان للدراسة التي نُشرت في مجلة Science Translational Medicine، وهذا العمل هو جزء من تجربة سريرية أكبر تسمى RAINBOW (بحث يهدف إلى تحسين كل من الحالة المزاجية والوزن).
حل المشاكل
إن شكل العلاج السلوكي المعرفي المستخدم في التجربة، والمعروف باسم العلاج بحل المشكلات، مصمم لتحسين المهارات المعرفية المستخدمة في التخطيط واستكشاف الأخطاء وإصلاحها وتجاهل المعلومات غير ذات الصلة.
يرشد المعالج المرضى في تحديد المشاكل الحقيقية في الحياة - مثل الصراع مع زميل السكن - وتبادل الأفكار حول الحلول واختيار أفضلها.
تعتمد هذه المهارات المعرفية على مجموعة معينة من الخلايا العصبية التي تعمل معًا، والمعروفة باسم دائرة التحكم المعرفي.
وتشير دراسة سابقة أجراها مختبر ويليامز، والتي حددت ستة أنماط حيوية من الاكتئاب على أساس أنماط نشاط الدماغ، إلى أن ربع الأشخاص المصابين بالاكتئاب يعانون من خلل في دوائر التحكم الإدراكي لديهم - إما نشاط زائد أو قليل للغاية.
كان المشاركون في الدراسة الجديدة من البالغين الذين تم تشخيص إصابتهم بالاكتئاب الشديد والسمنة، وهو مزيج من الأعراض التي تشير غالبًا إلى وجود مشاكل في دائرة التحكم المعرفي، وعادة ما يكون أداء المرضى الذين يعانون من هذا الاضطراب سيئًا عند تناول مضادات الاكتئاب: حيث تبلغ نسبة استجابتهم للعلاج 17% فقط.
من بين المشاركين البالغ عددهم 108، خضع 59 منهم لبرنامج علاجي لمدة عام لحل المشكلات بالإضافة إلى الرعاية المعتادة، مثل الأدوية والزيارات إلى طبيب الرعاية الأولية. أما الـ 49 الآخرون فقد تلقوا الرعاية المعتادة فقط.
وقد تم إجراء مسح للدماغ باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي في بداية الدراسة، ثم بعد شهرين، وستة أشهر، واثني عشر شهرًا، وأربعة وعشرين شهرًا، وخلال عمليات مسح الدماغ، أكمل المشاركون اختبارًا يتضمن الضغط أو عدم الضغط على زر وفقًا للنص الموجود على الشاشة - وهي مهمة معروفة بتفعيل دائرة التحكم المعرفية. وقد سمح الاختبار للباحثين بقياس التغيرات في نشاط تلك الدائرة طوال الدراسة.
قال الدكتور شيو تشانج، المؤلف الرئيسي للدراسة: "أردنا أن نرى ما إذا كان هذا العلاج لحل المشكلات على وجه الخصوص يمكنه تعديل دائرة التحكم الإدراكي".
مع كل مسح للدماغ، قام المشاركون أيضًا بملء استبيانات قياسية لتقييم قدرتهم على حل المشكلات وأعراض الاكتئاب.
وكما هو الحال مع أي علاج آخر للاكتئاب، لم ينجح علاج حل المشكلات مع الجميع. لكن 32% من المشاركين استجابوا للعلاج، مما يعني أن شدة الأعراض لديهم انخفضت بمقدار النصف أو أكثر.
وقال تشانج "إن هذا يمثل تحسنا هائلا مقارنة بمعدل الاستجابة لمضادات الاكتئاب والذي بلغ 17%".
وعندما فحص الباحثون مسوحات الدماغ، وجدوا أنه في المجموعة التي تلقت الرعاية المعتادة فقط، كانت دائرة التحكم الإدراكية التي أصبحت أقل نشاطًا على مدار الدراسة مرتبطة بتدهور القدرة على حل المشكلات.
ولكن في المجموعة التي تلقت العلاج، انعكس النمط: حيث ارتبط انخفاض النشاط بزيادة القدرة على حل المشكلات. ويعتقد الباحثون أن هذا قد يكون بسبب تعلم أدمغتهم، من خلال العلاج، معالجة المعلومات بكفاءة أكبر.
وقال تشانج: "نعتقد أن لديهم معالجة معرفية أكثر كفاءة، وهذا يعني أنهم الآن بحاجة إلى موارد أقل في دائرة التحكم المعرفي للقيام بنفس السلوك".
قبل العلاج، كانت أدمغتهم تعمل بجهد أكبر؛ أما الآن، فهي تعمل بذكاء أكبر.
في المتوسط، تحسنت حدة الاكتئاب بشكل عام في كلتا المجموعتين. ولكن عندما تعمقت تشانج في تقييم الاكتئاب المكون من عشرين بندًا، وجدت أن أعراض الاكتئاب الأكثر ارتباطًا بالتحكم المعرفي - "الشعور بأن كل شيء يمثل جهدًا" - استفادت من المعالجة المعرفية الأكثر كفاءة المكتسبة من العلاج.
وقال ويليامز: "إننا نرى أننا نستطيع تحديد التحسن الخاص بالجانب المعرفي للاكتئاب، وهو ما يؤدي إلى الإعاقة لأنه له التأثير الأكبر على الأداء في العالم الحقيقي".
المسار السريع للتعافي
وبعد شهرين فقط من الدراسة، أظهرت فحوصات الدماغ تغيرات في نشاط دائرة التحكم الإدراكي في مجموعة العلاج.
وقال ويليامز: "هذا مهم، لأنه يخبرنا أن هناك تغييرًا حقيقيًا يحدث في الدماغ في وقت مبكر، وهو في الإطار الزمني الذي تتوقع فيه مرونة الدماغ".
وأضاف: "إن حل المشكلات في العالم الحقيقي يغير الدماغ حرفيًا في غضون شهرين".
ووجد الباحثون أن هذه التغيرات المبكرة تشير إلى المرضى الذين يستجيبون للعلاج ومن المرجح أن تتحسن مهارات حل المشكلات وأعراض الاكتئاب لديهم بعد ستة أشهر، واثني عشر شهرًا، وحتى عام واحد بعد انتهاء العلاج، أي بعد 24 شهرًا، وهذا يعني أنه يمكن استخدام مسح الدماغ للتنبؤ بالمرضى الذين هم أفضل المرشحين لعلاج حل المشكلات.
وقال تشانج: "إن هذا الأمر من شأنه أن يسهم في تقدم العلم بكل تأكيد، ولكنه سيؤدي أيضًا إلى تغيير حياة الكثير من الناس".