كيف يؤثر فيروس كوفيد-19 على الذاكرة والإدراك؟
كشف تحليل جديد من دراسة أجرتها إمبريال كوليدج لندن لمرض كوفيد-19 عن فروق دقيقة في درجات الذاكرة والإدراك لدى المتطوعين الأصحاء المصابين بالفيروس، والتي استمرت لمدة تصل إلى عام بعد الإصابة.
ويقول الباحثون إن جميع الدرجات كانت ضمن النطاقات الطبيعية المتوقعة للأفراد الأصحاء ولم يبلغ أحد عن معاناته من أي أعراض إدراكية دائمة مثل ضباب الدماغ.
وتظهر النتائج، التي نشرت في مجلة eClinicalMedicine، فرقًا صغيرًا ولكن قابلًا للقياس بعد إجراء اختبارات إدراكية مكثفة للغاية على 18 شابًا سليمًا مصابين بالعدوى مقارنة بأولئك الذين لم يصابوا بالعدوى، وتم مراقبتهم في ظل ظروف سريرية خاضعة للرقابة، وفق ما ذكره موقع ميديكال إكسبريس.
تأثير كوفيد-19 على الذاكرة
يوضح الفريق أن دمج مثل هذا الاختبار المعرفي الحساس في الدراسات المستقبلية يمكن أن يساعد في الكشف عن رؤى أكثر تفصيلًا حول كيفية تأثير العدوى على وظائف المخ، ويمكن أن يساعد في إيجاد طرق للحد من هذه العمليات عندما تسبب أعراضًا.
وأوضح المؤلف الرئيسي البروفيسور آدم هامبشاير، من قسم علوم الدماغ في إمبريال كوليدج لندن ومقره الآن في كينجز كوليدج لندن، "نعلم أن كوفيد-19 يمكن أن يكون له تأثيرات دائمة على ذاكرتنا وقدرتنا على القيام بالمهام المعرفية الشائعة، ومع ذلك، فإن الكثير من الأدلة العلمية التي لدينا تأتي من دراسات واسعة النطاق تستند إلى الاختبار الذاتي والإبلاغ، أو حيث توجد مجموعة من المتغيرات التي يمكن أن تزيد أو تقلل من هذه التأثيرات.
وأضاف: "يظهر عملنا أن هذه التأثيرات المعرفية تتكرر حتى في ظل ظروف خاضعة للرقابة الدقيقة لدى الأفراد الأصحاء - بما في ذلك العدوى بجرعة مماثلة من الفيروس - ويسلط الضوء بشكل أكبر على كيفية تأثير التهابات الجهاز التنفسي على جوانب معينة من وظائف المخ".
وتابع: "لم نتمكن من اكتشاف بعض هذه التأثيرات إلا بفضل تصميم التجربة، الذي استخدم اختبارات حساسة للغاية وظروفًا خاضعة للرقابة، مع مقارنة أداء المشاركين بمستوياتهم الأساسية قبل التطعيم. وقد مكننا هذا من اكتشاف التغيرات الدقيقة التي يبدو أن المشاركين أنفسهم لم يكونوا على علم بها".
كوفيد-19 والإدراك
أظهرت دراسات سابقة شملت مرضى بدرجات متفاوتة من الشدة أن كوفيد-19 يمكن أن يكون له تأثير دائم على وظائف المخ لدى الأشخاص.
ووجدت إحدى هذه الدراسات، التي قادتها إمبريال وشارك فيها أكثر من 140 ألف شخص، عجزًا صغيرًا في أداء المهام المعرفية والذاكرة لدى الأشخاص الذين تعافوا من كوفيد-19، مع وجود اختلافات واضحة بعد عام أو أكثر من الإصابة.
في الدراسة الأخيرة، قام الباحثون بتحليل النتائج من مجموعة صغيرة من المتطوعين الأصحاء الذين كانوا جزءًا من أول دراسة تحدي بشري في العالم لمرض كوفيد-19 في عام 2021.
تكشف النتائج عن اختلافات دقيقة في أدائهم في نفس الاختبارات، والتي استمرت لمدة تصل إلى 12 شهرًا على الرغم من أن الاختبارات اللاحقة قد تكون تأثرت بعوامل أخرى لاحقة.
خلال التجربة، أصيب 36 مشاركًا شابًا سليمًا ليس لديهم مناعة سابقة ضد الفيروس بفيروس SARS-CoV-2 وتم مراقبتهم في ظل ظروف سريرية خاضعة للرقابة.
تمت مراقبتهم بعناية وظلوا في المنشأة حتى لم يعودوا معديين.
من المجموعة، أصيب 18 مشاركًا بالعدوى وظهرت عليهم أعراض خفيفة، ولم تظهر أعراض على أحدهم.
كما أجرى المشاركون مجموعات من المهام لقياس جوانب متعددة ومتميزة من وظائف أدمغتهم، بما في ذلك الذاكرة والتخطيط واللغة وحل المشكلات.
وأجرى المشاركون الاختبارات قبل التعرض للفيروس، وخلال الأسبوعين اللذين قضاهما في المنشأة السريرية، ثم في نقاط متعددة لمدة تصل إلى عام.
وأظهر التحليل أن أولئك الذين أصيبوا بفيروس SARS-CoV-2 كانت درجاتهم المعرفية أقل إحصائيًا من المتطوعين غير المصابين -مقارنة بالدرجات الأساسية- أثناء إصابتهم بالعدوى وكذلك أثناء فترة المتابعة.
وقد لوحظت الاختلافات الرئيسية في الدرجات في مهام الذاكرة والوظائف التنفيذية (بما في ذلك الذاكرة العاملة والانتباه وحل المشكلات).
ولوحظت فروق في النتائج بين المجموعات لمدة تصل إلى عام واحد بعد الإصابة، حيث كان أداء المجموعة غير المصابة أفضل قليلًا في المهام بشكل عام.
ويشير الباحثون إلى أن الاختلافات التي لوحظت كانت ضئيلة وأن أيًا من المتطوعين لم يبلغ عن أعراض إدراكية مطولة.
ويوضح الباحثون أن الأبحاث المستقبلية قد تدرس الروابط البيولوجية بين العدوى التنفسية والإدراك في مرض كوفيد-19، وحتى إظهار كيفية مقارنة هذا التأثير بحالات أخرى، مثل فيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV) أو الأنفلونزا.
وقال البروفيسور كريستوفر تشيو، المؤلف المشارك من قسم الأمراض المعدية في إمبريال كوليدج لندن، والذي قاد دراسة التحدي البشري لكوفيد-19: "تضيف هذه النتائج الأخيرة من دراستنا المزيد من التفاصيل الدقيقة إلى الصورة التي لدينا عن كوفيد-19 وأمراض الجهاز التنفسي المعدية الأخرى".
وأضاف: "يمكن أن توفر دراسات التحدي أداة لمساعدتنا على فهم أفضل لكيفية تعطل العدوى لمجموعة من الوظائف البيولوجية، هنا، من خلال إظهار التأثيرات البيولوجية التي تقع تحت ما يمكن اعتباره أعراضًا أو مرضًا، تمكنا من تحديد أصغر التغييرات في هذه المسارات، وقد يساعدنا هذا في نهاية المطاف على تطوير علاجات جديدة لتقليل أو حتى منع بعض هذه التأثيرات، والتي نعلم أنها قد يكون لها تأثيرات دائمة على حياة الناس في أماكن أخرى".