العمر مجرد رقم.. دراسة: استراتيجيات اتخاذ القرار لدى كبار السن معقدة مثل الشباب
مع تقدمنا في العمر، تتغير طريقة إدارتنا للأموال واتخاذ القرارات المالية بشكل طبيعي، وأظهرت أبحاث سابقة أنه عند اتخاذ قرارات مالية، يكون كبار السن أحيانا أكثر استعدادا للمخاطرة من الأصغر سنا.
لكن ما هي العمليات المعرفية وراء هذه التغيرات المرتبطة بالعمر في تحمل المخاطر؟
تراجع القدرات المعرفية
التفسير الشائع للتحولات في عملية اتخاذ القرار هو أنه مع تقدمنا في السن، تتراجع قدراتنا المعرفية، مما يجعلنا أقل قدرة على التعامل مع القرارات المالية المحفوفة بالمخاطر أو المعقدة.
لكن هل ترجع الاختلافات في تحمل المخاطر بالفعل إلى الموارد العقلية المحدودة لكبار السن ؟ وماذا تخبرنا هذه الموارد عن الذكاء؟
تتحدى دراسة جديدة بعنوان "كبار السن يختارون استراتيجيات مختلفة ولكنها ليست أبسط من البالغين الأصغر سنا في الاختيارات المحفوفة بالمخاطر"، أجراها فلوريان بولينز وثورستن باتشور من معهد علوم الذكاء (SCIoI) في برلين ونشرت في مجلة PLOS Computational Biology، الرأي القائل بأن كبار السن يعتمدون بالضرورة على استراتيجيات أبسط.
يوضح البحث أن استراتيجيات اتخاذ القرار التي يستخدمها كبار السن معقدة تمامًا مثل تلك التي يستخدمها الشباب، على الرغم من أن هذه الاستراتيجيات تعكس ميولًا ودوافع مختلفة للمخاطرة.
إعادة صياغة الشيخوخة المعرفية
من خلال نموذج حسابي جديد يعتمد على اختيار الاستراتيجية العقلانية للموارد، قامت الدراسة بتحليل بيانات 122 مشاركًا، منقسمين بين البالغين الأصغر سنًا (18-30 عامًا) والأكبر سنًا (63-88 عامًا)، أثناء اتخاذهم القرارات في 105 سيناريوهات محفوفة بالمخاطر.
ويوضح نموذج اختيار الاستراتيجية العقلانية للموارد كيف يتخذ الناس القرارات من خلال موازنة عائد الاستراتيجية مع الجهد العقلي المطلوب، ويشير إلى أنهم يتأثرون بمدى تقديرهم للسهولة على المكافأة.
يقوم الباحثون بمحاكاة أنماط اتخاذ القرار لفهم الاستراتيجيات التي يستخدمها الناس.
على النقيض من بعض الافتراضات السابقة، تظهر النتائج أن كبار السن لا يلجأون إلى استراتيجيات أبسط. في الواقع، يستخدم الشباب غالبًا ما يسمى "استراتيجية الحد الأدنى الأقصى".
تركز هذه الاستراتيجية على تقليل الخسائر المحتملة - في الأساس، يلعبون بأمان ويهدفون إلى تجنب أسوأ نتيجة ممكنة، حتى لو كان ذلك يعني تفويت مكاسب أكبر.
ومن ناحية أخرى، وجد أن كبار السن يستخدمون في بعض الأحيان ما يسمى "الاستدلال الأقصى"، والذي يعمل بطريقة معاكسة، فبدلًا من التركيز على تجنب الخسائر، يسعى الاستدلال الأقصى إلى تعظيم إمكانية تحقيق أفضل نتيجة ممكنة.
بعبارة أخرى، قد يكون كبار السن أكثر استعدادًا لاستهداف مكافآت أعلى على الرغم من المخاطر الأعلى، اعتمادًا على أهدافهم وظروفهم.
قوة العواطف
أحد النتائج الرئيسية للدراسة هو أن المشاعر تلعب دورًا حاسمًا في اتخاذ القرار.
وقد توصل العلماء إلى هذا الاستنتاج من خلال دمج العوامل المعرفية والتحفيزية داخل نموذجهم الحسابي، ووجدوا أن كبار السن، الذين يُقال عمومًا أنهم يشعرون بمشاعر أقل سلبية من نظرائهم الأصغر سنًا، اختاروا استراتيجيات أقل نفورًا من المخاطرة في مواقف معينة.
وأظهر تحليل مفصل أن ما يقرب من 30% من الاختلافات المرتبطة بالعمر في اتخاذ القرار يمكن ربطها بشكل مباشر بهذه التحولات العاطفية.
وكشف هذا الدليل أن الأمر لا يتعلق بالتدهور المعرفي، بل بالتغيرات العاطفية والتحفيزية، التي تدفع كبار السن إلى التعامل مع المخاطر بشكل مختلف.
إن فهم حقيقة مفادها أن كبار السن يستخدمون استراتيجيات مختلفة ولكنها ليست أبسط من ذلك من شأنه أن يساعد في تصميم أنظمة دعم أفضل، ومن الممكن أن يساعد هذا الفهم في توجيه السياسات العامة الرامية إلى تعزيز عملية اتخاذ القرار بين كبار السن (مثل المعلومات الصحية المخصصة، أو أنظمة التخطيط للتقاعد المصممة خصيصا).
ومن خلال التعرف على العوامل التحفيزية المؤثرة، يمكننا تطوير تدخلات أكثر فعالية تحترم وتستغل نقاط القوة المعرفية لدى كبار السن.
أظهرت الأبحاث السابقة أن اتخاذ القرار في ظل المخاطرة يعد مظهرًا مهمًا من مظاهر الذكاء.
تساهم هذه الدراسة في مجال أبحاث الذكاء من خلال تحدي الصورة النمطية القائلة بأن التدهور المعرفي لدى كبار السن يؤدي إلى اتخاذ قرارات أبسط في مثل هذه السيناريوهات.
وبدلًا من ذلك، فإنها تؤكد على قدرة العمليات المعرفية على التكيف والمرونة، مما يُظهر أن كبار السن قادرون على استخدام استراتيجيات معقدة، وهم يفعلون ذلك بالفعل.
ومن خلال تسليط الضوء على التفاعل بين العوامل المعرفية والتحفيزية، تقدم الدراسة رؤى جديدة حول طبيعة الذكاء عبر العمر وتمنح العلماء رؤى قيمة حول طبيعة اتخاذ القرار الذكي.