اكتشاف جين يمكنه تحويل الخلايا المناعية إلى خلايا تقضي على السرطان

لكي تنمو، يجب على الأورام السرطانية أن تستغل جهاز المناعة لتحقيق أهدافها، ومن أهم الحيل التي تستخدمها معظم الأورام التلاعب بنوع من الخلايا المناعية يُسمى البلاعم.
يدفعها ذلك إلى حماية الورم من بقية الجهاز المناعي، وتجنيد الأوعية الدموية، ومساعدة السرطان على الانتشار إلى أنسجة أخرى.

تحرير الجينات
الآن، استخدم الباحثون في مختبر البروفيسور إيدو أميت في معهد وايزمان للعلوم أحدث تقنيات تحرير الجينات وتقنيات الخلية الواحدة والذكاء الاصطناعي لتحديد مفتاح رئيسي يحول الخلايا البلعمية إلى مساعدين للسرطان.
بناءً على هذا الاكتشاف، طوّر الفريق علاجًا جديدًا أثبت فعاليته لدى الفئران المصابة بأورام المثانة، وهو أحد أكثر أنواع السرطان شيوعًا لدى البشر، والذي لا تتوفر له حاليًا سوى ابتكارات علاجية محدودة.
عُرض هذا الاكتشاف في ورقة بحثية نُشرت في مجلة Cancer Cell.
وقال أميت، أحد أعضاء هيئة التدريس في قسم المناعة الأنظمة في جامعة وايزمان: "الخلايا البلعمية هي خلايا متعددة الاستخدامات، وهي قادرة على تنشيط أنواع متعددة من الوظائف لمهام مختلفة وفي مواقف مختلفة".
تتمتع هذه الخلايا بقدرة عالية على القضاء على السرطان، إذ يمكنها أداء وظائف مضادة للأورام متعددة، مثل تعزيز الالتهاب المضاد للسرطان أو تنبيه بقية الجهاز المناعي إلى مخاطر الخلايا السرطانية، وهذا تحديدًا هو السبب الذي يدفع معظم أنواع السرطان الصلبة إلى تحويل الخلايا البلعمية إلى جانبها حتى تتطور.
وأضاف أميت: "من خلال القيام بذلك، تحمي الأورام نفسها من الجانب المزعج للخلايا البلعمية، وتقوم أيضًا بتفعيل وظائف الخلايا البلعمية التي تساعدها على النمو، مثل قمع نشاط أنواع أخرى من الخلايا المناعية وتشجيع نمو الأوعية الدموية لتزويد الورم بالأكسجين".
في الواقع، كشفت دراسات حديثة عن وجود صلة قوية بين نمط تنشيط الخلايا البلعمية السرطانية - سواءً كانت هذه الخلايا تحارب الورم أو تساعده على النمو - وبقاء مرضى السرطان على قيد الحياة.
ونظرًا لهذه الأهمية، بحثت دراسات عديدة عن طرق لإعادة برمجة الخلايا البلعمية إلى نمطها المضاد للسرطان.
يقول أميت: "فشلت تلك الجهود لأنها فصلت البلاعم إلى فئتين عامتين للغاية: الخلايا الداعمة للورم والخلايا المضادة للورم. واليوم، نعلم أن هذا التصنيف يغفل الكثير من تعقيد وظيفة البلاعم".
اتبعت الدراسة الجديدة، بقيادة الدكتور فادي شيبان، نهجًا أكثر دقة في تحليل وظائف الخلايا البلعمية.
يقول شيبان: "بدأنا البحث بتحليل مجموعات بيانات الخلايا البلعمية المأخوذة من عينات أورام بشرية، ودراسة الوظائف المختلفة لهذه الخلايا".
ويضيف: "مكّننا هذا التحليل من تحديد 120 جينًا يُشتبه في دورها في تنشيط مختلف وظائف الخلايا البلعمية المسببة للأورام".
كانت الخطوة التالية تطوير نظام قادر على فحص هذه الجينات الـ 120 المحتملة لتحديد الجينات الأكثر أهمية لقدرة الورم على اختراق نشاط الخلايا البلعمية.
اعتمد أميت وفريقه على تقنياتهم المتقدمة للخلية الواحدة، القادرة على دراسة وظائف الخلايا بدقة خلية واحدة، بالتزامن مع تقنية تحرير الجينات CRISPR-Cas9.
وقد أتاحت لهم التكنولوجيا المدمجة القدرة على حذف جينات الخلايا البلعمية الفردية في خلية بلعمية واحدة، واحدة تلو الأخرى، من قائمة الجينات المشتبه بها ومعرفة كيف أدى ذلك إلى تغيير خصائص ووظيفة الخلايا البلعمية بدقة الخلية الواحدة.
باستخدام منصتنا المطورة حديثًا، تمكنا من دراسة آثار جميع الجينات الـ 120 المشتبه بها على وظيفة الخلايا البلعمية الفردية.
وتضمنت هذه المرحلة من الدراسة تسلسل أكثر من 100 ألف خلية بلعمية معدلة إجمالًا، كما يقول شيبان.
كانت النتيجة مجموعة بيانات مفصلة توضح كيفية تفعيل أو تعطيل المفاتيح التنظيمية المختلفة لوظائف البلاعم المختلفة.
وقال شيبان: "كانت فوضى عارمة، في البداية، لم نتمكن من تحديد الجينات الأكثر أهمية، ولا نشاط البلاعم الذي تتحكم فيه".
لفهم البيانات التجريبية، استخدم أميت وفريقه أداة تعلّم عميق طوّرها زميله في القسم، البروفيسور نير يوسف. بسّطت هذه الأداة، المسماة MrVI، البيانات إلى خريطة وظيفية تُظهر كيف تؤثر التبديلات التنظيمية المختلفة، كلٌّ منها مُمثّل بنقطة على الخريطة، على وظائف الخلايا البلعمية، ومدى تشابه تأثيرات هذه المنظمات المختلفة.
وقال شيبان: "باستخدام MrVI، تمكنا من فهم أي الحذف الجيني غيّر وظائف الخلايا البلعمية بطريقة جعلتها تقاوم الورم".
برز جين واحد، يُدعى Zeb2، على الخريطة، إذ عدّل تمامًا أنشطة الخلايا البلعمية الداعمة للورم.
لم يُدرَس هذا الجين في الخلايا البلعمية الورمية من قبل. ويضيف شيبان: "لقد فهمنا أن الخلية البلعمية التي تحتوي على Zeb2 تُنشّط جميع وظائف الأورام الأولية وتُعطّل جميع برامج مكافحة الأورام، وأن إسكات هذا الجين يُحقّق العكس تمامًا.
أظهرت أبحاثٌ أكثر تعمقًا حول الجين أن البروتين المُشفَّر بواسطة Zeb2 يعمل عن طريق تغيير البنية الفيزيائية للجينوم، المعروف باسم "الإبيجينوم"، مُحدِّدًا بذلك أي الجينات الأخرى ستكون "مفتوحة"، أي متاحة للترجمة إلى بروتينات، وأيها ستكون خاملة، أو "مغلقة".
أظهرت التجارب التي أُجريت على مزارع الأنسجة وعلى الفئران أن إسكات زيب2 يُحوّل الخلايا البلعمية إلى النمط المضاد للأورام.
كانت الخطوة التالية هي محاولة تحويل هذا الاكتشاف إلى علاج محتمل.
لتحقيق ذلك، تعاون أميت وفريقه مع البروفيسور مارسين كورتيليوسكي من المركز الطبي الوطني لمدينة الأمل في كاليفورنيا، الولايات المتحدة الأمريكية، الذي طور جزيئًا فريدًا من الحمض النووي مصممًا للالتصاق بالخلايا البلعمية وابتلاعها.
استخدم العلماء هذا الجزيء كطُعم، وربطناه بجزيء RNA صغير مُسكِت.
بمجرد أن تبتلعه البلاعم، يُسكِت جزيء RNA جين Zeb2 تحديدًا.
استخدم الباحثون هذا الجزيء المُطوَّر حديثًا لعلاج فئران مُصابة بسرطان المثانة: حقنوا الجزيء في منطقة الورم، ووجدوا أن العلاج أعاد برمجة البلاعم لمُحاربة الورم، وأن الأورام تقلصت بشكل ملحوظ.
يلخص أميت قائلاً: "الهدف الآن هو تطوير هذا النهج ليصبح علاجًا جديدًا للسرطان لدى البشر، وقد أظهرت دراستنا أيضًا كيف يمكن للتقنيات المتقدمة أن توفر فهمًا معمقًا ودقيقًا لكيفية عمل مختلف عناصر الجهاز المناعي في الأمراض المختلفة، وكيف يمكن لهذا الفهم أن يُشكل أساسًا لعلاجات جديدة للمرضى".