اكتشاف جديد لاستهداف السرطان مع الحفاظ على الأنسجة السليمة

نجح فريق من الباحثين في ابتكار خلايا مناعية أكثر فعالية قادرة على محاربة السرطان دون الإضرار بالأنسجة السليمة.
يقول البروفيسور بول فرانسوا: "تعود هذه القصة إلى ما يقرب من 20 عامًا".
ويضيف: "أسعى بشكل رئيسي إلى تطوير نموذج رياضي لما يحدث في علم الأحياء بهدف تحسين فهمنا له".
بدأت القصة فعليًا عندما حضر البروفيسور فرانسوا ندوة حول نموذج كشف الاستجابة المناعية الذي طوره عالم المناعة الفرنسي الأمريكي جريجوار ألتان بونيه من المعهد الوطني الأمريكي للسرطان.
وقال فرانسوا: "من وجهة نظر رياضية، لم أكن أفهم ما كان يحدث، لذا، نشأ لديّ اهتمام بالجهاز المناعي".
بفضل منصة الروبوتات التي طُوّرت في مختبر الدكتور ألتان بونيه، بالتعاون مع البروفيسور فرانسوا، والتي تُشبه مجهر الجهاز المناعي، تمكّن العلماء من دراسة ومقارنة تفاعلات الخلايا المناعية مع الخلايا السرطانية، ثم تصميم نموذج رياضي يشرح ويتنبأ بالملاحظات التي تُجرى لاحقًا في المختبر.

جودو الجهاز المناعي
في السنوات الأخيرة، أحدث العلاج المناعي بخلايا CAR-T (باستخدام مستقبلات المستضدات الكيمرية) ثورةً في مكافحة السرطان.
بالتزامن مع أدوات أخرى (العلاج الكيميائي والعلاج الإشعاعي)، يُعيد هذا النوع الجديد من العلاج برمجة الخلايا التائية (محاربي الجهاز المناعي) لدى المريض لمهاجمة الخلايا السرطانية.
يقول البروفيسور فرانسوا: "يشبه الأمر إلى حد ما لعبة الجودو التي يُمارسها الجهاز المناعي".
في المختبر، تُعدّل الخلايا التائية بإضافة مستقبل مستضد كيميري اصطناعي (CAR). يحفز هذا المستقبل الخلايا التائية على تدمير الخلايا السرطانية بفعالية، على الرغم من أن آليته في التعرف على الأورام ليست دقيقة للغاية، لذا غالبًا ما تهاجم الخلايا التائية الأنسجة السليمة أيضًا.
بعبارة أخرى، يُعد العلاج المناعي CAR-T علاجًا فعالًا للغاية لسرطان الدم، حيث لا يؤدي نقص تحديد الهدف إلى الوفاة، لكنه أقل فعالية مع أنواع السرطان الصلبة، مثل تلك التي تصيب المبايض.
تهاجم خلايا CAR-T الأورام في المبايض، لكنها تدمر أيضًا الأنسجة السليمة للمريض، وخاصة الرئتين. تهاجم السرطان، لكنك تقتل المريض، كما يوضح البروفيسور فرانسوا.
ما هي أفضل طريقة لتعديل استجابة الجهاز المناعي؟ لقد استفاد فريق العلماء بشكل جيد من المستقبلات الموجودة طبيعيًا في الخلايا التائية (TCRs)، والتي يمكنها التمييز بين الخلايا السليمة والسرطانية من خلال التعرف على البروتينات المختلفة على أسطحها. لكن هذه المستقبلات ليست فعالة جدًا في مكافحة الأورام.
ومع ذلك، نجح الباحثون في دمج الاستراتيجيتين لتصميم خلايا CAR التي تتضمن مستقبلات الخلايا التائية (TCRs).
واكتشف الفريق كيفية تحفيز مستقبلات الخلايا التائية للعمل ككابح، مما يُخفف من الاستجابة المفرطة لخلايا CAR.
ويُشير البروفيسور فرانسوا إلى أنه "كان يُعتقد لفترة طويلة أن مستقبلات الخلايا التائية هي مُسرِّعات فقط، لكننا أظهرنا إمكانية تعديلها لقمع الاستجابة المناعية بدلاً من تنشيطها".
سعيًا للحصول على استجابة أكثر دقة، صمم البروفيسور فرانسوا وطالبه فرانسوا بوراسا نموذجًا رياضيًا نظريًا لتحديد كيفية تعديل الاستجابة المناعية باستخدام مستقبلات موجودة طبيعيًا على سطح الخلايا التائية.
وقال فرانسوا: "توصلنا إلى تفسير رياضي: للحصول على استجابة مناعية أفضل، يجب موازنة دواستي الفرامل والوقود في الخلايا التائية".
بناءً على هذه الفكرة، طوّر الفريق مفهومًا للعلاج المناعي يُعرف باسم AEBS (نظام الكبح المُعزَّز بالمضادات).
يقول البروفيسور فرانسوا: "لسنا الوحيدين الذين حاولوا إعادة برمجة خلايا CAR لجعلها أكثر فعالية في مكافحة الأورام، لكننا أول من استخدم المستقبلات الطبيعية ككابح".
وواصل فريق المختبر إنتاج واختبار الخلايا التائية التي لا تهدأ فقط عندما تواجه أنسجة صحية، بل تنتقل أيضًا إلى وضع الهجوم عندما تصادف ورمًا.
في ضوء هذه النتائج المشجعة، يجري حاليًا تقديم طلب براءة اختراع؛ وقد تُجرى أيضًا تجارب سريرية.
يقول البروفيسور فرانسوا: "بدأنا بمشكلة نظرية إلى حد ما، وانتهى بنا الأمر باستخدام الفكرة لتطوير علاج".