أظهر نتائج واعدة.. علاج جديد لـ مرض غوشيه
فقد جريجوري ودبوراه ماكريس من كاليفورنيا ابنهما جريجوري في عام 1997، عندما كان عمره 4 سنوات فقط. كان الصغير جريجوري يعاني من شكل حاد من اضطراب وراثي نادر يسمى مرض غوشيه وتوفي بعد علاج تجريبي غير ناجح.
وعلى الرغم من خسارتهم الشخصية، لم يتخل آل ماكريس عن السعي لإيجاد علاج للمرض، حيث قاموا بإنشاء مؤسسة خيرية لدعم الأبحاث في العديد من المختبرات حول العالم، بما في ذلك مؤسسة البروفيسور أنتوني فوترمان في قسم العلوم الجزيئية الحيوية في معهد وايزمان للعلوم.
بعد 25 عامًا من البحث، قدم علماء وايزمان علاجًا وراثيًا مبتكرًا أظهر نتائج واعدة في الفئران، بما في ذلك زيادة متوسط العمر بشكل كبير والحفاظ على الوظيفة الحركية لمرضى غوشيه.
نُشرت الدراسة في مجلة العلاج الجيني.
ما هو مرض غوشيه؟
يحدث مرض غوشيه نتيجة لخلل وراثي في إنزيم يستخدمه الجسم لتكسير مادة دهنية تسمى جلوكوسيريبروزيد، وعندما لا يتم تكسير هذه المادة، فإنها تتراكم في الخلية، وتحديدا في الليزوزومات ـ حيث يتم تكسير الجزيئات التي أكملت دورة حياتها إلى أجزائها المكونة ـ مما يتسبب في أضرار قد تكون قاتلة.
النوع الأول من مرض غوشيه لا يؤدي إلى تلف في الدماغ، أما النوعان الآخران من المرض فهما أكثر خطورة بكثير: يسبب النوع الثاني من مرض غوشيه تلفًا شديدًا في الدماغ، مع تفاقم سريع للأعراض والوفاة قبل سن الثانية، بينما يحدث تلف الدماغ المميت لدى الأشخاص المصابين بالنوع الثالث في وقت لاحق من الطفولة أو حتى في مرحلة البلوغ.
العلاج المقبول اليوم لمرض غوشيه هو الحقن المتكرر للإنزيم السليم لتقليل تراكم الجلوكوسيريبروزيد في أنسجة الجسم.
ومع ذلك، فإن هذا العلاج لا يشفي المرض، ولا يساعد في علاج الأنواع الأكثر شدة من مرض غوشيه التي تتلف المخ.
ويرجع ذلك إلى حاجز الدم الدماغي، وهي الطبقة الكثيفة من الخلايا التي تحيط بالأوعية الدموية في الدماغ وتمنع الجزيئات الكبيرة، مثل الإنزيم الذي يتم حقنه، من الوصول إلى هدفها.
ونتيجة لهذا فإن المرضى الأكثر تضررا لا يزالون لا يجدون علاجًا فعالًا.
وفي السنوات الأخيرة، ركزت العديد من مجموعات البحث على العلاج الجيني، وهو علاج مبتكر يتم فيه إدخال نسخة طبيعية من الجين المعيب في الخلايا باستخدام فيروس.
ولكن إدخال نسخة طبيعية من الجين المعيب لا يعوض بالضرورة عن الخلل الجيني.
وفي محاولة للتغلب على هذا، تعاون باحثون من مختبر البروفيسور فوترمان مع زملاء من مختبر البروفيسور ساريل فليشمان، المتخصص في استخدام النماذج الحاسوبية لتصميم وتحسين الإنزيمات.
وباستخدام خوارزمية متقدمة ابتكروها، صمم العلماء في مختبر فليشمان نسخة من الجين لا تحمل الوصفة الصحيحة للإنزيم فحسب، بل تحمل وصفة محسنة تؤدي إلى نسخة نشطة ومستقرة بشكل خاص قادرة على تعويض الخلل الجيني ومكافحة تراكم الجلوكوزيريبروزيد.
وبعد أن نجحوا في هندسة الجين وراثيا، قام العلماء بقيادة الدكتور إيفان ميلينكوفيتش والدكتور شاني بلومينريتش من مجموعة فوترمان بحقنه في أدمغة فئران صغيرة تعاني من اضطراب يحاكي مرض غوشيه من النوع الثالث، وهو شكل حاد وغير قابل للشفاء من المرض.
وراقب الباحثون حالة صغار الفئران بعد العلاج عن طريق قياس وزن أجسامهم وتقييم وظائفهم الحركية.
لقد ذهل العلماء عندما اكتشفوا أن معظم الفئران المصابة التي عولجت بالجين المعدل وراثيا، مثل الفئران السليمة تماما، اكتسبت وزنا وعاشت لفترة أطول بشكل ملحوظ. كما حافظت الجراء على وظائفها الحركية وتوازنها، حتى أن بعضها وصل إلى مستوى طبيعي تماما.
فقدت الفئران التي تركت دون علاج أو أعطيت النسخة الطبيعية من الجين ما يصل إلى 20% من وزن أجسامها في الأشهر الأربعة الأولى من التجربة، وتدهورت وظائفها الحركية مع تقدم المرض.
وبعد ذلك، سعى الباحثون إلى فهم سبب فعالية العلاج إلى هذا الحد، فقاموا بتحليل عينات من أدمغة الفئران ولاحظوا أن العلاج بالجين المعدل وراثيا أدى إلى تقليل تراكم الجلوكوسيريبروزيد في الدماغ بشكل كبير، في حين لم يحدث ذلك مع النسخة الطبيعية من الجين.
ويوضح فوترمان: "نحن نفترض أن التحسن في استقرار الإنزيم يمكّنه من التهرب من التحلل داخل الخلية، فيبقى على قيد الحياة ويقوم بوظيفته الحيوية".
كان أحد النتائج المهمة بشكل خاص هو أن هذا العلاج قلل من التهاب الدماغ.
في عام 2015، اكتشف باحثون من مختبر فوترمان أن بروتينًا التهابيًا معينًا يتم التعبير عنه بمستويات عالية في أدمغة الأشخاص المصابين بداء غوشيه من النوع الثاني والثالث، وأن هناك علاقة بين مستوى التعبير الجيني وشدة المرض.
ومن هنا أدركوا أن الالتهاب يلعب دورا رئيسيا في تلف الدماغ وأن هذا الجين هو علامة لتقدم المرض.
وفي دراستهم الجديدة، وجدوا أن مستوى التعبير عن كل من هذه العلامة وجينين التهابيين إضافيين انخفض في الفئران التي تلقت العلاج الجديد، وقد تأكدت هذه النتائج من خلال فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي، والتي أظهرت انخفاضًا في العلامات الالتهابية في الأدمغة.
"منذ ربع قرن من الزمان، كانت عائلة ماكريس تتابع أبحاثي، وكنت أطلعهم على كل تطور، إن العلاج الجيني المبتكر لنوع مرض غوشيه الذي أودى بحياة ابنهم جريجوري كان بمثابة نوع من الإغلاق بالنسبة لي"، كما يقول فوترمان.
وأضاف: "نأمل أن نجد شركاء لمساعدتنا في دفع هذا العلاج المبتكر إلى الأمام - من تجربة أكثر شمولًا إلى التجارب السريرية على البشر، وهناك الكثير من الاهتمام بهذا البحث يتجاوز مرض غوشيه، وهو نادر نسبيًا، لأن الدراسات تُظهر أن الجين المعيب يزيد أيضًا من خطر الإصابة بمرض باركنسون".