كيف تحول أدمغة البشر العشوائية إلى ذاكرة قوية؟
عادة ما يُنظَر إلى الضوضاء العشوائية، مثل الضجيج في الخلفية أثناء مكالمة هاتفية، باعتبارها تدخلًا غير مرغوب فيه.
والآن اكتشف الباحثون في كلية كولومبيا للهندسة أن المخ قد يستغل التقلبات العشوائية التي لا مفر منها في نشاطه لإجراء عمليات حسابية مفيدة، وخاصة في المهام التي تعتمد على الذاكرة.
وقال فريق البحث إن هذه النتائج لا تعمل على تعميق فهمنا لكيفية عمل الدماغ فحسب، بل قد توفر أيضًا مخططًا لبناء تقنيات أكثر ذكاءً ومرونة.
وقد نشروا تفاصيل نتائجهم في وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم.
تغيرات عشوائية
إن نشاط المخ مليء بالتغيرات العشوائية التي لا يمكن التنبؤ بها.
تقول نوتيدا رونجراتسامييتاويمانا، الأستاذة المساعدة في الهندسة الطبية الحيوية في كلية كولومبيا للهندسة، والباحثة الرئيسية في المشروع: "على الرغم من هذا، فإن المخ يتفوق في العمليات المعرفية مثل الذاكرة واتخاذ القرار، كيف يتعامل المخ مع هذا؟ هل الضوضاء تعوقه أم تساعده؟".
أشارت دراسات سابقة أجريت على أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تحاكي الدماغ والمعروفة باسم الشبكات العصبية إلى أن حقن التقلبات العشوائية في نشاطها قد يؤدي في الواقع إلى تحسين أدائها أثناء تعلمها أداء مهمة ما.
ومع ذلك، تم إجراء هذا البحث السابق على شبكات عصبية بسيطة نسبيًا، مما يثير تساؤلات حول مدى تأثير هذا التأثير في الحياة الواقعية.
وفي الدراسة الجديدة، طورت رونجراتساميتاويمانا وزملاؤها شبكات عصبية أكثر منطقية من الناحية البيولوجية، تضمنت وحدات تحاكي الخلايا العصبية المثيرة والمثبطة، والتي تعمل على زيادة النشاط العام في الدماغ وقمعه على التوالي.
وقالت: "اعتمد هذا البحث على موارد الحوسبة العالية التي يوفرها مختبر استخبارات الأنظمة، بدعم من قسم الهندسة في جامعة كولومبيا. وقد سمحت لنا هذه القدرات الحسابية باستكشاف ديناميكيات الأعصاب المعقدة بتفاصيل غير مسبوقة".
وعندما قام الباحثون بدمج الضوضاء العشوائية في هذه الأنظمة أثناء تدريبهم، اكتشفوا أن "الضوضاء العشوائية، التي يُعتقد غالبًا أنها تشكل تحديًا يجب التغلب عليه، قد تكون في الواقع ضرورية لكيفية قيام الدماغ بإجراء العمليات الحسابية المهمة مثل الذاكرة".
وبشكل أكثر تحديدًا، يبدو أن الضوضاء تزيد من الوقت الذي يستغرقه ضعف الاتصالات العصبية المثبطة مع الخلايا العصبية الأخرى.
يعمل هذا التأثير المبطئ بدوره على استقرار أنماط النشاط العصبية المرتبطة بالذكريات، مما يساعدها على الاستمرار بمرور الوقت.
تقول رونجراتسامييتاويمانا: "لا يحجب دماغك الضوضاء، بل يعمل معها، ويدمج العشوائية لتثبيت ذاكرتك، وبالنسبة لي، يسلط هذا المشروع الضوء على الجمال في التعقيد ويُظهِر كيف أن حتى ما يبدو عشوائيًا له دور ذو مغزى في الطبيعة".
وقال أليكس ويليامز: "على عكس الرأي التقليدي القائل بأن الضوضاء العشوائية في الدماغ تضعف الذاكرة، تكشف هذه الدراسة أن مثل هذه التقلبات يمكن أن تعزز في الواقع استقرار الذاكرة".
وقالت رونجراتساميتاويمانا إن هذه النتائج الجديدة قد تساعد في إلهام تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر قدرة على التكيف والمجهزة بشكل أفضل للتعامل مع عدم اليقين في العالم الحقيقي، وقد تشمل هذه الأنظمة الروبوتات العاملة في بيئات ديناميكية، أو أدوات الرعاية الصحية التي تتعقب التغيرات الدقيقة طويلة الأجل في بيانات المرضى.
وبالإضافة إلى ذلك، قد يساعد هذا العمل العلماء على فهم الدور الذي قد يلعبه التغير في الدماغ في العالم الحقيقي في الإدراك البشري سواء في الصحة أو في الأمراض مثل الزهايمر والفصام واضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (ADHD).