العلاقة بين الأمراض الجسدية والاكتئاب.. كيف تؤثر الأمراض المزمنة على الصحة النفسية؟

تشهد البحوث الصحية تزايدًا في الاهتمام بفهم العلاقة بين الأمراض الجسدية النفسية، خاصة في زمن تكثر فيه الأمراض المزمنة، حيث أظهرت دراسة حديثة وبصورة واضحة أن الأشخاص الذين يعانون من حالات صحية جسدية طويلة الأمد يكونون أكثر عرضة للإصابة بـ الاكتئاب، وهو أحد أبرز الأمراض النفسية التي تؤثر على نوعية حياة الأفراد بشكل كبير.
لقد أوضح الباحثون من جامعة إدنبرة أن تفاعل الأمراض الجسدية مع بعضها البعض يعزز بشكل ملحوظ خطر الإصابة بالاكتئاب.
تفاصيل الدراسة
الدراسة التي أُجريت على أكثر من 142,000 شخص، ركزت على تأثير تكرار وجود حالات صحية متعددة على احتمالية تطور الاكتئاب، فوجدت أن هناك علاقة واضحة بين تفاعل الأمراض الجسدية والخطر النفسي، خصوصًا في الحالات التي تعاني من أمراض القلب والأوعية الدموية، السكري، وأمراض الرئة المزمنة.
ومن الجدير بالذكر أن تكرار وجود أكثر من مرض، أو ما يُعرف بالتعددية المرضية، يضغط بشكل كبير على نظام الرعاية الصحية ويصعب من التعامل مع الحالات بشكل فعال.
لذلك، يدعو الباحثون إلى إعادة النظر في نماذج الرعاية الصحية، وتطوير أنظمة متكاملة تهتم بالجانب النفسي والجسدي معًا، بدلًا من التعامل مع كل حالة على حدة كجزء منفصل.

وتُعد نتائج الدراسة مهمة لأنها تظهر أن خطر الإصابة بالاكتئاب لا يقتصر على فئة معينة من المرضى، بل يزداد بشكل كبير لدى من يعانون من مرضين أو أكثر، خاصة بين النساء اللواتي يعانين من مشكلات المفاصل والعظام، مثل التهاب المفاصل، بشكل خاص.
وبالفعل، أظهرت البيانات أن حوالي 8% من الأشخاص المصابين بأمراض جسدية معرضون للاكتئاب خلال عشرة أعوام، مقارنة بـ 4% من الأشخاص غير المصابين بأمراض طويلة الأمد.
هذه النتائج تظهر أن العوامل الاجتماعية والنظامية تلعب دورًا مهمًا في نتائج الصحة النفسية، وليس فقط العوامل البيولوجية. فالأعباء النفسية المرتبطة بالأمراض، والشعور بالإحباط، والضغوط الاقتصادية، كلها ألوان من التأثيرات التي قد تُسهم في زيادة احتمالية الإصابة بالاكتئاب.
وفي ضوء ذلك، يركز الخبراء على أهمية تحسين نماذج الرعاية الصحية، بحيث تكون أكثر تكاملًا، وتعتمد على تقييم الحالة الصحية بشكل شامل، يربط بين الجوانب الجسدية والنفسية. ففصل المرض النفسي عن الجسدي قد يساهم في تقليل الوفيات وتحسين نوعية حياة المرضى، ويزيد من فعالية العلاج.
ختامًا، تؤكد الدراسة على ضرورة أن يتغير مفهوم العلاج ليُصبح أكثر تكاملية، لتقليل عبء الأمراض المزمنة وتحسين جودة حياة المصابين بها، مع التركيز على الصحة النفسية التي غالبًا ما تُهمَل في الرعاية التقليدية. فالصحة هي وحدة متكاملة لا يمكن فصلها، والاعتراف بهذه العلاقة هو خطوة مهمة لتحسين مستقبل الرعاية الصحية بشكل عام.