يؤثر على الصحة العقلية.. ما مدى خطورة الأرق؟
ما مدى خطورة الأرق؟ وكيف يمكن للخوف مما يفعله بجسمك أن يدمر نومك؟ سؤال يتردد على كثير من الألسنة، لا سيما وأن الأرق بات شائعا بين الكثير من الأشخاص حول العالم.
وحول هذا العنوان البارز تمحورت نقاشات ليون لاك، أستاذ فخري في علم النفس، معهد أديلايد لصحة النوم، جامعة فلندرز، ونيكول لوفاتو، أستاذ مشارك، معهد أديلايد لصحة النوم، جامعة فلندرز، عبر مقال نُشر بموقع (theconversation.com).
في بداية المقالة، كتب ليون يقول: «لقد رأيت مؤخرًا العديد من المرضى الذين كانوا قلقين من أن أعراض الأرق لديهم تزيد من خطر الإصابة بالخرف، كانوا في السبعينيات من العمر وكانوا يستيقظون مرتين أو 3 مرات في الليلة، وهو ما اعتبروه أرقًا، لكنهم لم يصابوا بالضعف أثناء النهار بطريقة نموذجية للأرق».
وأضاف: «يُعد استيقاظهم القصير أمرًا طبيعيا بالنسبة لمعظم الناس وغير ضار تمامًا» موضحا: «تنشأ الاستيقاظات القصيرة من المراحل الدورية للنوم الخفيف التي تحدث بشكل طبيعي بين دورات النوم العميق الأربع أو الخمس التي تبلغ مدتها 90 دقيقة، وإذا لم تكن على دراية بهذه الدورات التي تستغرق 90 دقيقة، فقد تعتقد أن مثل هذه الاستيقاظ هي علامة على المرض».
وأشار إلى أنه «في الواقع، هم طبيعيون تمامًا ويزدادون خبرة مع التقدم في السن عندما يصبح النوم بشكل طبيعي أخف وأقصر، دون أي تأثير سيئ، ولذلك طمأنتهم بأن أنماط نومهم طبيعية ولا يعانون من الأرق، وهذا يتطلب إعاقات أثناء النهار، التعب، أو المشاكل المعرفية، أو الاكتئاب الخفيف، أو التهيج، أو الضيق أو القلق، بالإضافة إلى الأعراض الليلية».
وقال: «أنا على ثقة من أنهم قد اطمأنوا، وبالتالي تجنبوا نوع الخوف والقلق الذي كان من شأنه أن يؤدي إلى سلسلة من الأحداث التي تؤدي إلى الأرق».
هل هو حقا الأرق؟
وطرح الكاتب تساؤلا: «من أين حصل مرضاي على فكرة أن أعراض نومهم يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالخرف؟»، وأجاب: «دعونا نفصل هذا التسونامي من المعلومات المثيرة للقلق».
وقال: «يبدأ عادةً باستقصاءات كبيرة جدا تجد علاقة ذات دلالة إحصائية بين مقاييس مشاكل النوم وتطور الخرف لاحقًا، أولًا، تطلب معظم هذه الدراسات من المشاركين الإبلاغ عن المدة التي ينامونها عادةً، أولئك الذين يبلغون عن أقل من 6 ساعات في الليلة يظهرون خطرًا صغيرًا ولكن مرتفعًا إحصائيا للإصابة بالخرف».
وأضاف: «لا توضح هذه الدراسات ما إذا كان الأشخاص يعانون من الأرق السريري الذي تم تشخيصه من قبل أخصائي صحي، وبدلًا من ذلك، يعتمدون فقط على تخمين المشاركين للمدة التي ناموا فيها، وهو ما قد يكون غير دقيق».
وتابع: «كانت الدراسات ستشمل أيضًا العديد من الأشخاص الذين لا يعانون من الأرق والذين لا يسمحون لأنفسهم بفرصة كافية للنوم، ربما كانوا معتادين على التواصل الاجتماعي أو ممارسة ألعاب الكمبيوتر في وقت متأخر من الليل، بمعنى آخر، نحن لا نعرف ما هي نسبة هؤلاء الذين ينامون لفترة قصيرة والذين يبالغون في تقدير مشاكل نومهم، أو يقيدون نومهم ويعانون من فقدان النوم المزمن بدلا من الأرق».
ماذا تعني الأرقام حقا؟
وفي جزء من المقالة، قال الكاتب: «المشكلة الثانية هي تفسير معنى ذو دلالة إحصائية، وهذا يعني فقط أن النتائج من غير المرجح أن تكون نتيجة للصدفة البحتة، إذا أظهرت دراسة واحدة زيادة بنسبة 20% في خطر الإصابة بمشكلة صحية جسدية مرتبطة بالأرق، فما مدى قلقنا؟ هذه النتيجة الفردية لا تعني بالضرورة أن الأمر يستحق النظر فيه في حياتنا اليومية».
وأضاف: «الدراسات التي تربط الأرق بالمخاطر الصحية عادة ما تكون غير متسقة، على سبيل المثال، بالرغم من أن بعض الدراسات وجدت زيادات طفيفة في خطر الإصابة بالخرف مع الإصابة بالأرق، إلا أن دراسة كبيرة جدا في المملكة المتحدة لم تجد أي علاقة بين مقدار النوم أو صعوبات النوم وخطر الإصابة بالخرف».
ما هو السياق؟
وتابع الكاتب: «المشكلة الثالثة هي توصيل منظور متوازن للجمهور حول المخاطر المحتملة للأرق، سيقدم البعض في وسائل الإعلام الرئيسية، بمساعدة مؤسسة الباحث، تقارير عن الدراسات التي تظهر زيادة ذات دلالة إحصائية في خطر الإصابة بمرض مخيف، مثل الخرف، ولكن لا تسأل جميع التقارير الإعلامية عن مدى أهمية الخطر من الناحية السريرية، أو ما إذا كانت هناك تفسيرات بديلة، أو كيفية مقارنة هذه النتيجة بما وجده باحثون آخرون، لذا، لا يُترك لعامة الناس أي سياق يخفف من رواية (المخاطر المتزايدة) المخيفة، ثم تتم مشاركة هذه الرواية على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يعزز النتيجة المخيفة».
السمنة والسكري وارتفاع ضغط الدم
وأضاف: «لقد استخدمنا الخرف كمثال لكيفية ظهور وتضخم المخاوف بشأن المخاطر المحتملة على الصحة البدنية من الأرق، لكن كان بإمكاننا الاستفادة من احتمال زيادة خطر الإصابة بالسمنة أو مرض السكري أو ارتفاع ضغط الدم، وقد ارتبطت جميعها بقصر النوم، لكن الباحثين يناقشون ما إذا كانت هذه الروابط حقيقية أو ذات معنى أو مرتبطة بالأرق».
وقال: «عندما نظرنا إلى تأثير مشاكل النوم على متوسط العمر المتوقع، لم نجد أي دليل على أن أعراض النوم وحدها تقصر حياتك، فقط عندما يتم تضمين الأعراض النهارية مثل التعب ومشاكل الذاكرة والضيق، يكون هناك خطر متزايد للوفاة المبكرة، ومع ذلك، من الصعب معرفة ما إذا كان يمكن تفسير هذه الوفيات الزائدة بأمراض القلب أو الكلى أو الكبد أو الدماغ غير المشخصة والتي تسبب تلك الأعراض أثناء النهار».
الصحة العقلية
وواصل بالقول: «مع ذلك، هناك أدلة أقوى على زيادة مشاكل الصحة العقلية، وخاصة الاكتئاب، مع الأرق، ومن المؤكد أن الإعاقات النهارية النموذجية المتمثلة في التعب والضيق والضعف الإدراكي والتهيج تقلل من نوعية الحياة، تصبح الحياة أكثر تحديا وأقل متعة، ومع مرور الوقت، يمكن أن يؤدي هذا إلى اليأس والاكتئاب لدى بعض الناس، وهذا سبب كافٍ لطلب المساعدة لتحسين النوم ونوعية الحياة».
وأشار إلى أنه «يجب على الأشخاص الذين يعانون من هذه المشاكل طلب المساعدة من ممارس صحي، والخبر السار هو أن هناك علاجًا فعالًا وطويل الأمد وغير دوائي وليس له أي آثار جانبية، وهو العلاج السلوكي المعرفي للأرق أو العلاج المعرفي السلوكي (CBTi)، والأفضل من ذلك أن العلاج السلوكي المعرفي الناجح يقلل أيضًا من أعراض الاكتئاب والاضطرابات العقلية الأخرى».
واختتم بالقول: «ما ليس مفيدًا هو الخوف غير الضروري الناجم عن التقارير التي تشير إلى مخاطر الأرق الخطيرة على الصحة البدنية، من المرجح أن يؤدي هذا الخوف إلى زيادة الأرق بدلًا من تخفيفه».