العلاج المناعي كلمة السر.. طريقة جديدة للتخلص من الخلايا المسنة
مع تقدمنا في السن، تغمر أجسادنا الخلايا المسنة أو الهرمة، التي توقفت عن الانقسام، ولكن بدلًا من الموت، تظل نشطة وتتراكم في أنسجة الجسم.
وقد أظهرت دراسات حديثة أن التخلص من هذه الخلايا قد يؤخر الأمراض المرتبطة بالعمر، ويقلل الالتهاب ويطيل العمر.
ومع ذلك، على الرغم من الإمكانات الكبيرة، لا يوجد حاليًا دواء يمكنه استهداف هذه الخلايا بشكل مباشر وفعال.
والآن يقترح باحثو معهد وايزمان للعلوم نهجا بديلا.
ففي دراسة جديدة نشرت في مجلة Nature Cell Biology، كشف الباحثون أن الخلايا المسنة تتراكم في الجسم عن طريق سد الجهاز المناعي، وبالتالي منع إزالتها.
وقد أثبت العلماء في الفئران كيفية إزالة هذا الانسداد باستخدام العلاج المناعي، وهو الجيل الجديد من العلاجات الذي يحدث ثورة في علاج السرطان.
قد تمهد هذه النتائج الطريق لعلاج مبتكر للأمراض المرتبطة بالعمر وغيرها من الاضطرابات المزمنة.
وبحسب موقع ميديكال إكسبريس، يدرس مختبر البروفيسور فاليري كريزانوفسكي في قسم علم الأحياء الخلوية الجزيئية في وايزمان منذ فترة طويلة العمليات البيولوجية المميزة للشيخوخة، وتحديدًا تورط الخلايا المسنة في الأمراض المرتبطة بالعمر والالتهابات المزمنة.
وتوقع نموذج رياضي طوره البروفيسور أوري ألون من وايزمان في عام 2019، بالتعاون مع كريزانوفسكي، أنه في حين تتم إزالة الخلايا المسنة من جسم شاب في غضون أيام، فإنها في الجسم المتقدم في السن تتمكن من تأخير إزالتها بنفسها.
تكشف الدراسة الجديدة، التي قادتها الدكتورة جوليا ماجوسكا والدكتور أميت أجراوال، عن الآلية التي تجعل هذا ممكنًا - كيف تتجنب الخلايا المسنة الجهاز المناعي بنفس الطريقة التي تفعلها الخلايا السرطانية.
اكتشف الباحثون أن الخلايا المسنة من رئة الفأر تعبر عن كميات كبيرة من البروتينات التي تقمع الجهاز المناعي، وخاصة بروتين PD-L1.
هذا البروتين، المعروف في علم الأورام، هو هدف رئيسي لتطوير أدوية جديدة للسرطان، حيث ثبت أن الخلايا السرطانية تستخدم بروتين PD-L1 لتقليل قدرة الجهاز المناعي على التعرف عليها وتدميرها.
ولكن السؤال المطروح كان كيف يحدث هذا الإفراط في التعبير عن بروتين مثبط للمناعة في المقام الأول.
ويمكن مقارنة عملية الشيخوخة الخلوية بالضغط على دواسة الوقود والفرامل في نفس الوقت: فالضغط على دواسة الوقود يعني أن الخلية تظل نشطة للغاية، في حين أن الضغط على الفرامل من ناحية أخرى يؤدي إلى وصول الخلية إلى نهاية دورة حياتها الطبيعية ويمنعها من الانقسام، ولهذا السبب على وجه التحديد، تُعرف الخلايا الهرمة أحيانًا باسم "الزومبي".
إن أحد المكونات الرئيسية للكابح هو بروتين p16، الذي يثبط تكرار الحمض النووي في الخلية.
وفي دراستهم، اكتشف الباحثون أن هناك علاقة بين ارتفاع مستوى p16 أثناء الشيخوخة الخلوية وزيادة مستويات PD-L1. كما عملوا على تحديد الآلية الجزيئية المسؤولة عن الزيادة: حيث يثبط p16 عملية خلوية طبيعية تؤدي إلى تحلل PD-L1.
لكن الخلايا المسنة لا تشكل أهمية كبرى في مرحلة الشيخوخة فحسب.
ففي دراسات سابقة أظهر فريق كريزانوفسكي أن تراكم هذه الخلايا يساهم في الإصابة بأمراض الرئة المزمنة وغيرها من الاضطرابات.
وتوضح الدراسة الحالية كيف تزداد مستويات بروتين PD-L1 ليس فقط أثناء الشيخوخة، بل وأيضًا في نموذج فأري لمرض الانسداد الرئوي المزمن، وهو الأكثر شيوعًا بين المدخنين.
علاوة على ذلك، وجد الباحثون أن الأشخاص المصابين بهذا المرض لديهم خلايا مسنة تعبر عن مستويات مرتفعة من بروتين p16 وPD-L1.
بمجرد أن أصبح من الواضح أن الخلايا المسنة - مثل الخلايا السرطانية ـ تعبر عن مستويات عالية من بروتين PD-L1، الذي يساعدها على التهرب من الجهاز المناعي، افترض الباحثون أن هذه المعرفة يمكن استخدامها لاستهداف الخلايا المسنة بدرجة عالية نسبيا من الدقة.
وقرر الباحثون الاستفادة من جسم مضاد تمت الموافقة عليه بالفعل لعلاج أنواع مختلفة من السرطان، واستخدامه لتحديد بروتين PD-L1 في الأغشية الخلوية وتنشيط الجهاز المناعي ضده.
وقد اختبر الباحثون هذا الجسم المضاد على الفئران المتقدمة في السن، وكذلك على الفئران التي تعاني من تلف التهابي قصير الأمد ومزمن في الرئتين.
كما توقعوا، قام الجسم المضاد بتنشيط الخلايا التائية - الجهاز المناعي - وخلايا مناعية أخرى، مما أدى إلى انخفاض في عدد الخلايا المسنة.
وقال كريزانوفسكي: "في حين أن العلاج الذي فحصناه لم يوقف ساعة الشيخوخة، إلا أنه نجح في التخلص من الخلايا المسنة في الفئران، وحتى تقليل إطلاق البروتينات الصغيرة التي تشجع الالتهاب في الشيخوخة والأمراض المزمنة".
وأضاف: "نظرًا لأن PD-L1 يتم التعبير عنه بكميات كبيرة ليس فقط في الخلايا المسنة، فإننا نعتقد أن مفتاح تطوير علاج فعال ومستهدف سيكون هندسة الأجسام المضادة التي يمكنها تحديد بروتينين في نفس الوقت: PD-L1 ومؤشر الشيخوخة".
واختتم: "هذا الاكتشاف يبعث الأمل في إمكانية استخدام العلاج المناعي في المستقبل لعلاج ليس فقط السرطان ولكن أيضًا الأمراض المرتبطة بالعمر والالتهابات المزمنة".